كان الناس يحترمون عليّا في حياتها كرامة لها ، لأنّها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها ، فلمّا ماتت وهو لم يبايع أبا بكر ، انصرف الناس عن ذلك الاحترام ، ليدخل فيما دخل فيه الناس ولا يفرّق جماعتهم. انتهى.
فالحقيقة هاهنا مردّدة بين أنّ الصدّيقة سلام الله عليها عزبت عنها ضروريّة من ضروريّات دين أبيها وهي أولاها وأعظمها ، وقد حفظته الأُمّة جمعاء حضريّها وبدويّها ، وماتت ـ العياذ بالله ـ على غير سنّة أبيها ، وبين أن لا يكون للحديث مقيل من الصحّة ، وقد رواه الحفظة الأثبات من الفريقين وتلقّته الأُمّة بالقبول ، وبين أنّها سلام الله عليها لم تك تعترف للمتقمّص بالخلافة ، ولا توافقه على ما يدّعيه ، ولم تكن تراه أهلاً لذلك ، وكذلك الحال في مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام.
فهل يسع لمسلم أن يختار الشقّ الأوّل ويرتئي لبضعة النبوّة ولزوجها ـ نفس النبيّ الأمين ووصيّه على التعيين ـ ما يأباه العقل والمنطق ، ويبرأ منه الله ورسوله؟ لا ، ليس لأحد أن يقول ذلك.
وأمّا الشقّ الثاني ، فلا أظنّ جاهلاً يسفّ إلى مثله بعد استكمال شرائط الصحّة والقبول ، وإصفاق أئمّة الحديث ومهرة الكلام على الخضوع لمفاده ، وإطباق الأُمم الإسلاميّة على مؤدّاه.
فلم يبق إلاّ الشقّ الثالث ، فخلافة لم تعترف لها الصدّيقة الطاهرة ، وماتت وهي واجدة عليها وعلى صاحبها ، ويجوّز مولانا أمير المؤمنين التأخّر عنها ولو آناً ما ، ولم يأمر حليلته بالمبادرة إلى البيعة ، ولا بايع هو ، وهو يعلم أنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة ، فخلافة هذا شأنها حقيقة بالإعراض عنها ، والنكوص عن البخوع لصاحبها.
٨ ـ من طريق أبي أُميّة عمرو بن يحيى بن سعيد ، عن جدّه : أنّ معاوية أخذ الأداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بها ، واشتكى أبو هريرة ، فبينا هو يوضّئ