أهل العراق ، وأنّ الشام كلّه مع شُرحبيل.
فخرج شُرحبيل فأتى حصين بن نمير ، فقال : ابعث إلى جرير فليأتنا ، فبعث إليه حصين : أن زرنا ، فإنّ عندنا شُرحبيل بن السمط ، فاجتمعا عنده ، فتكلّم شُرحبيل ، فقال : يا جرير أتيتنا بأمر ملفّف (١) لتُلقينا في لهوات الأسد ، وأردت أن تخلط الشام بالعراق ، وأطرأت عليّا وهو قاتل عثمان ، والله سائلك عمّا قلت يوم القيامة. فأقبل عليه جرير فقال : يا شُرحبيل أمّا قولك : إنّي جئت بأمر ملفّف. فكيف يكون أمراً ملفّفاً وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار ، وقوتل على ردّه طلحة والزبير؟! وأمّا قولك : إنّي ألقيتك في لهوات الأسد ، ففي لهواتها ألقيت نفسك ، وأمّا خلط العراق بالشام ، فخلطُهما على حقّ خيرٌ من فرقتهما على باطل. وأمّا قولك : إنّ عليّا قتل عثمان ، فو الله ما في يديك من ذلك إلاّ القذف بالغيب من مكان بعيد ، ولكنّك ملت إلى الدنيا ، وشيء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقّاص (٢).
فبلغ معاوية قول الرجلين ، فبعث إلى جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام ، وكتب جرير إلى شرحبيل :
شُرحبيل يا بن السمطِ لا تتبعِ الهوى |
|
فمالك في الدنيا من الدين من بَدلْ |
وقل لابن حربٍ مالك اليوم حرمةٌ |
|
تروم بها ما رمتَ فاقطع له الأملْ |
شُرحبيلُ إنّ الحقّ قد جدَّ جِدّه |
|
وإنّك مأمونُ الأديم من النغَلْ |
فأرِودْ (٣) ولا تفرط بشيء نخافه |
|
عليك ولا تعجل فلا خير في العجَلْ |
ولا تك كالمجري إلى شرِّ غايةٍ |
|
فقد خُرق السربال واستنوَق الجملْ |
وقال ابن هند في عليٍّ عضيهةً |
|
ولله في صدر ابن أبي طالب أجلْ |
__________________
(١) في شرح ابن أبي الحديد : ملفق [وفي الطبعة المحققة والمعتمدة ٣ / ٨٠ : ملفّف] ج. (المؤلف)
(٢) أنظر تفاصيل القصة في الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٦٠ حوادث سنة ٣٦ ه.
(٣) أَرود : تمهّل.