لا مرحباً ولا أهلاً ، بدنة يترقرق دمها والله مهريقه ، قال : «مهلاً فإنّي والله لست بأهل لهذه المقالة». قال : بلى ولشرّ منها. ولقيه ابن الزبير فقال : لا مرحباً ولا أهلاً ، خبّ ضب (١) تلعة ، يدخل رأسه ويضرب بذنبه ، ويوشك والله أن يؤخذ بذنبه ، ويدقّ ظهره ، نحيّاه عنّي. فضُرِب وجه راحلته. ثم لقيه عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال له معاوية : لا أهلاً ولا مرحباً ، شيخ قد خرف وذهب عقله ، ثم أمر فضُرِب وجه راحلته ، ثم فعل بابن عمر نحو ذلك ، فأقبلوا معه لا يلتفت إليهم حتى دخل المدينة ، فحضروا بابه فلم يؤذن لهم على منازلهم ، ولم يروا منه ما يحبّون ، فخرجوا إلى مكة فأقاموا بها ، وخطب معاوية بالمدينة ، فذكر يزيد فمدحه ، وقال : من أحقّ منه بالخلافة في فضله وعقله وموضعه؟! وما أظنّ قوماً بمنتهين حتى تصيبهم بوائق تجتثّ أصولهم ، وقد أنذرت إن أغنت النذر. ثم أنشد متمثّلاً :
قد كنتُ حذّرتكَ آل المصطلقْ |
|
وقلت : يا عمرو أطعني وانطلقْ |
إنَّك إن كلّفتني ما لم أطقْ |
|
ساءك ما سرّك منّي من خلقْ |
دونك ما استسقيته فاحسُ وذقْ
ثم دخل على عائشة وقد بلغها أنّه ذكر الحسين وأصحابه ، فقال : لَأَقتلنّهم إن لم يبايعوا فشكاهم إليها ، فوعظته وقالت له : بلغني أنّك تتهدّدهم بالقتل؟ فقال : يا أمّ المؤمنين هم أعزّ من ذلك ، ولكنّي بايعت ليزيد وبايعه غيرهم ، أفترين أن أنقض بيعة تمّت؟ قالت : فارفق بهم فإنّهم يصيرون إلى ما تحبّ إن شاء الله ، قال : أفعل. وكان في قولها له : ما يؤمنك أن أُقعِد لك رجلاً يقتلك وقد فعلت بأخي ما فعلت ـ تعني أخاها محمداً ـ؟ فقال لها : كلاّ يا أمّ المؤمنين إنّي في بيت أمن. قالت : أجل. ومكث بالمدينة ما شاء الله.
__________________
(١) يقال : رجل خَبّ وخِبّ ، أى خَدّاع ، خبيث. وفي المثل : أخبّ من ضب. أنظر مجمع الأمثال : ١ / ٤٥٧ رقم ١٣٦٩.