عبد الرحمن يستأذن عليه معتذراً فلم يأذن له ، فأقبلت قريش على عبد الرحمن بن الحكم ، فلم يدعوه حتى أتى زياداً ، فلمّا دخل فسلّم عليه فتشاوس (١) له زياد بعينه ، وكان يكسر عينه ، فقال له زياد : أنت القائل ما قلت؟ فقال عبد الرحمن : وما الذي قلت؟ فقال : قلت ما لا يُقال. فقال عبد الرحمن : أصلح الله الأمير إنّه لا ذنب لمن اعتب ، وإنّما الصفح عمّن أذنب ، فاسمع منّي ما أقول ، قال : هات. فأنشأ يقول :
إليك أبا المغيرةِ تبتُ ممّا |
|
جرى بالشامِ من جورِ اللسانِ |
وأغضبتُ الخليفةَ فيك حتى |
|
دعاه فرطُ غيظٍ أن لحاني |
وقلت لمن لحاني في اعتذاري |
|
إليك الحقّ شأنك غير شاني |
عرفت الحقّ بعد خطاء رأيي |
|
وما ألبسته غير البيانِ |
زيادٌ من أبي سفيانَ غصنٌ |
|
تهادى ناضرٌ بين الجنانِ |
أراك أخاً وعمّا وابنَ عمٍ |
|
فما أدري بعينٍ ما تراني |
وأنت زيادةٌ في آل حربٍ |
|
أحبّ إليَّ من وسطى بناني |
ألا أبلغ معاويةَ بنَ حربٍ |
|
فقد ظفرتْ بما تأتي اليدانِ |
فقال له زياد : أراك أحمق مترفاً شاعراً صَنِع اللسان ، يسوغ لك ريقك ساخطاً ومسخوطاً ، ولكنّا قد سمعنا شعرك وقبلنا عذرك ، فهات حاجتك. قال : كتاب إلى أمير المؤمنين بالرضا عنّي. قال : نعم ، فكتب كتاباً أخذه ومضى حتى دخل على معاوية ، ففضّ الكتاب ورضي عنه وردّه إلى حاله وقال : قبّح الله زياداً ألم ينتبه له إذ قال :
وأنت زيادة في آل حرب (٢)
قال أبو عبيدة : كان زياد يزعم أنّ أُمّه سميّة بنت الأعور من بني عبد شمس بن
__________________
(١) من شاس : نظر بمؤخر عينه تكبّراً أو تغيّظاً. (المؤلف)
(٢) إلى هنا ينتهي المنقول عن الاستيعاب.