(لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (١). (٢) (وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣)
فصاحب النبيّ الأعظم في الغار ، والمهاجر الوحيد معه في الرعيل الأوّل من المهاجرين السابقين يهمّنا إكباره وإعظامه ، ويُعَدُّ من الجنايات الفاحشة بخس حقّه ، والتقصير في تحديد نفسيّاته ، والخروج عن قضاء العدل فيها ، والنزول على حكم العاطفة.
ونحن لا نحوم حول موضوع الخلافة وأنّها كيف تمّت؟ كيف صارت؟ كيف قامت؟ كيف دامت؟ وأنّ الآراء فيها هل كانت حرّة؟ ووصايا المشرِّع الأعظم هل كانت متّبعة؟ أو كانت للأهواء والشهوات يوم ذاك حكومة جبّارة هي تبطش وتقبض ، وهي ترفع وتخفض ، وهي ترتق وتفتق ، وهي تنقض وتبرم ، وهي تحلُّ وتعقد.
لا يهمّنا البحث عن هذه كلّها بعد ما سمعت أُذن الدنيا حديث السقيفة مجتمع الثويلة ، وقُرِّطت بنبإ تلك الصاخّة الكبرى ، والتحارش العظيم بين المهاجرين والأنصار ، (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ* خافِضَةٌ رافِعَةٌ) (٤).
ما عساني أن أقول؟ والتاريخ بين يدي الباحث يدرسه بأنّ كلّ رجل من سواد الناس يوم ذاك كان يرى الفوز والسلامة لنفسه في عدم التحزّب بأحد من تلكم الأحزاب المتكثّرة ، وترك الاقتحام في تلك الثورات النائرة ، وكانت الخواطر تهدِّده بالقتل مهما أبدى الشقاق ، أو التحيّز إلى فئة دون فئة ، بعد ما رأت عيناه فِرند الصارم
__________________
(١) القمر : ٣.
(٢) الروم : ٤.
(٣) الأنعام : ١٢٧.
(٤) الواقعة : ١ ـ ٣.