رجل من بني عديّ بن النجار فأقامت به شهراً. وممّا وقع في تلك السفرة :
قالت أُمّ أيمن : أتاني رجلان من اليهود يوماً نصف النهار بالمدينة فقالا : أخرجي لنا أحمد. فأخرجته ونظرا إليه وقلّباه مليّا ثمّ قال أحدهما لصاحبه : هذا نبيّ هذه الأُمّة ، وهذه دار هجرته ، وسيكون بهذه البلدة من القتل والسبي أمر عظيم. قالت أُمّ أيمن : وعيت ذلك كلّه من كلامهما (١). أبعد هذه كلّها ، وبعد تلكم الإرهاصات للنبوّة التي ملأت بين الخافقين ، وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوّخ الأقطار ، وبعد مضيّ خمسين سنة من عمره الشريف صلىاللهعليهوآلهوسلم رسول الله شابّ لا يُعرف وأبو بكر شيخ يُعرف ، يُسأل عنه : من هذا الغلام بين يديك؟
ولإيضاح هذه الجمل من الحريّ أن نسرد كيفيّة هجرته صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الإفك من هذه المجهلة المأثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلوّ في الفضائل عمياً وصمّا. فأقول :
الأنصار في البيعتين :
كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يعرض نفسه على القبائل في المواسم إذ كان يدعوهم إلى الله ويخبرهم أنّه نبيّ مرسل فعرض نفسه على كندة ، وعلى بني عبد الله بطن من كلب ، وعلى بني حنيفة ، وعلى بني عامر بن صعصعة ، وعلى قوم من بني عبد الأشهل. فلمّا أراد الله عزّ وجلّ إظهار دينه ، وإعزاز نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنجاز موعده له ، خرج صلىاللهعليهوآلهوسلم في الموسم الذي لقي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم ، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً وفيهم : أسعد بن زرارة أبو أُمامة النجاري ، وعوف بن الحرث بن عفراء ، ورافع بن مالك ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابي ، وجابر بن عبد الله.
__________________
(١) دلائل النبوّة لأبي نعيم : ١ / ٥٠ [ ١ / ٢٠٤ ح ٩٩ ] ، صفة الصفوة لابن الجوزي : ١ / ٢٠ [ ١ / ٦٤ رقم ١ ] ، تاريخ ابن كثير : ٢ / ٢٧٩ [ ٢ / ٣٤٠ ] ، بهجة المحافل : ١ / ٤٤. (المؤلف)