بكلّه؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شيء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنّى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ (١).
ولذلك تجد كثيراً من علمائنا المحقّقين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كلّ هاتيك الشؤون وغيرها ممّا لا يتحمّله غيرهم ، وكان في علماء قم من يرمي بالغلوّ كلّ من روى شيئاً من تلكم الأسرار ، حتى قال قائلهم : إنَّ أوّل مراتب الغلوّ نفي السهو عن النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى أن جاء بعدهم المحقِّقون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً ، وهذه بليّة مُني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم ، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض ، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدِّها ، والصلح خير.
وفذلكة المقام أنَّ النفوس تتفاوت حسب جبلاّتها واستعداداتها في تلقّي الحقائق الراهنة ، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار ، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعاً ويمدُّ لها باعاً ، وبطبع الحال إنّ الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما يعلمون ، كما أنّ الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حقّقوه في مدحرة البطلان ، فهنالك تثور المنافرة ، وتحتدم الضغائن ، ونحن نقدِّر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جَدَد السبيل في طلب الحقِّ ونقول :
على المرء أن يسعى بمقدار جهده |
|
وليس عليه أن يكون موفّقا |
ألا إنَّ الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضّة (٢) وقد تواتر عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام : «إنَّ أمرنا ، أو حديثنا صعب مستصعب لا يتحمّله إلاّ نبيٌّ مرسل أو ملك
__________________
(١) من قولنا : فمن ذا الذي يبلغ. إلى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة الإسلام في أصول الكافي : ص ٩٩ [ ١ / ٢٠١ ] عن الإمام الرضا صلوات الله عليه. (المؤلف)
(٢) حديث ثابت عند الفريقين. (المؤلف)