قال : «شيّبتني هود وأخواتها» (١).
فهذه الصحيحة تعرب عن أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد بان فيه الشيب على خلاف الطبيعة ، وأسرع فيه حتى أصبح مسؤولاً عنه وعمّا أثّره فيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأين منها ذلك التأويل البارد؟
وربما يُقال في حلّ مشكلة ـ يُعرف ولا يُعرف ـ : إنّ أبا بكر كان تاجراً عرفه الناس في المدينة عند اختلافه إلى الشام ، لكنّه على فرض تسليم كونه تاجراً ، وعلى تقدير تسليم سفره إلى الشام ودون إثباته خرط القتاد ، مقابل بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضاً كان يحاول التجارة يستطرق المدينة إلى الشام ، فلو كانت التجارة بمجرّدها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبيّ الأعظم أولى لأنّ شرفه المكتسب ، وشهرته بالأمانة ، وعظمته في النفوس ، وتحلّيه بالفضائل ، وبروز عصمته وقداسته عند الناس من أوّل يومه ، وشرفه الطائل في نسبه ؛ أجلب لتوجّه النفوس إليه ، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كلّ ذلك.
على أنّ التاجر متى هبط مصراً فعارفوه رجال معدودون ممّن شاركوه في الحرفة ، أو شارفوه في المعاملة ، وهذا التعارف يخصّ بأُناس تُعدّ بالأنامل لا عامّة الناس كما حسبوه. وأنّى هذا من سفر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى المدينة وأبو بكر يوم ذاك يرضع من ثدي أُمّه ، خرجت به صلىاللهعليهوآلهوسلم [ أمّه ] لمّا بلغ ستّ سنين من عمره إلى أخواله بني عدي بن النجّار بالمدينة تزور به أخواله ومعه أمّ أيمن ، فنزلت به في دار النابغة
__________________
(١) أخرجه الحافظ الترمذي في جامعه [ ٥ / ٣٧٥ ح ٣٢٩٧ ] ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول [ ٢ / ٢٨ الأصل ١٨٦ ] ، وأبو يعلى [ في المسند : ١ / ١٠٢ ح ١٠٧ ، ١٠٨ ، ٢ / ١٨٤ ح ٨٨٠ ] ، والطبراني [ في المعجم الكبير : ٦ / ١٤٨ ح ٥٨٠٤ ، ١٠ / ١٠٢ ح ١٠٠٩١ ] ، وابن أبي شيبة ، والحاكم في المستدرك : ٢ / ٣٤٣ [ ٢ / ٣٧٤ ح ٣٣١٤ ] وصحّحه هو وأقرّه الذهبي ، والقرطبي في تفسيره : ٧ / ١ [ ٩ / ٣ ] ، وأبو نصر في اللمع : ص ٢٨٠ [ ص ٣٥٢ ] ، وابن كثير في تفسيره : ٢ / ٤٣٥ ، والخازن في تفسيره : ٢ / ٣٣٥ [ ٢ / ٣١٩ ]. (المؤلف)