إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١).
فهل الخليفة عرف هذا المعنى من القدَر ، فأجاب بما أجاب؟ لكن السائل لم يفهم ما أراده فانتقده بما انتقد؟ غير أنّه لو كان يريد ذلك لَما جابَه المنتقد بالسباب المقذع والتمنِّي بأن يكون عنده من يجأ أنفه قبل بيان المراد فيفيء الرجل إلى الحقّ.
أو أنّ الخليفة لم يكن يعرف من القدَر إلاّ ما ارتفعت به عقيرة جماهير من أشياعه من القول بخلق الأعمال؟ فيتّجه إذن ما قاله المنتقد سبّه الخليفة أو لم يسبّه.
والذي يؤثر عن ابنته عائشة هو الجنوح إلى المعنى الثاني يوم اعتذرت عن نهضتها على مولانا أمير المؤمنين ، وتبرّجها عن خدرها المضروب لها تبرّج الجاهليّة الأولى بعد أن ليمت على ذلك ، بأنّها كانت قدَراً مقدوراً وللقدَر أسباب. أخرجه الخطيب البغدادي بإسناده في تاريخه (١ / ١٦٠).
وإن كان يوقفنا موقف السادر ما يؤثر عنها فيما أخرجه الخطيب أيضاً في تاريخه (٩ / ١٨٥) عن عروة قال : ما ذكرت عائشة مسيرها في وقعة الجمل قطّ إلاّ بكت حتى تبلّ خمارها وتقول : يا ليتني كنت نسياً منسيّا (٢). قال سفيان الثوري : النسي المنسي الحيضة الملقاة.
كأنّها كانت ترى مسيرها حوباً كبيراً جديراً أن تبكي عليه مدى الدهر ، وتبلّ بدمعها خمارها ، وتتمنّى ما تمنّت ، وهذا ينافي ذلك الاعتذار البارد المأخوذ أصله عن
__________________
(١) آل عمران : ٢٥.
(٢) وذكره ابن الأثير في النهاية : ٤ / ١٥١ [ ٥ / ٥١ ] ، وابن منظور في لسان العرب : ٢٠ / ١٩٦ [ ١٤ / ١٣٣ ] ، والزبيدي في تاج العروس : ١٠ / ٣٦٧. (المؤلف)