فيها ، قال ابن عبّاس كنت آخر الناس عهداً بعمر بن الخطّاب قال : اختلفت أنا وأبو بكر في الكلالة والقول ما قلت (١) ، وفي صحيحة البيهقي والحاكم والذهبي وابن كثير (٢) عن ابن عبّاس قال : كنت آخر الناس عهداً بعمر فسمعته يقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت؟ قال : قلت : الكلالة ما لا ولد له.
هذا القول كان من عمر لمّا طعن بعد قوله لمّا استخلف : إنّي لاستحيي أن أُخالف فيه أبا بكر كما مرّ. وبعد قوله : أتى عليّ زمان لا أدري ما الكلالة ، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد (٣) ، وبعد هذه كلّها قال ما قال وهو على ما يقول بصير.
أنا لا أدري أين ولّت تلك الحائطة التي التزمها الخليفة الأوّل في معنى الأبّ لتلك الحدّة والشدّة؟ وأيّ سماء أظلّته؟ وأيّ أرض أقلّته؟ وأين ذهب؟ وكيف صنع لمّا قال في دين الله برأي لا يعرف غيّه من رشده ، ولا يعلمه أمن الله أم منه ومن الشيطان؟ وكيف خفيت عليه آية الصيف؟ وقد رأى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها الكفاية في عرفان الكلالة كما مرّ (٦ / ١٢٧) ، وكيف عزب عنه قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤) ولِم لم يسأل ولم يتعلّم ولم يعبأ بأهل الذكر وهو يعرفه لا محالة؟ فكأنّ الأحكام ليست بتوقيفيّة ، وكأنَّها منوطة بالحظّ والنصيب ولكلّ إنسان ما رأى ، ولو صدقت هذه الأحلام فيسع كلّ امرئ أن يُفتي برأيه فيما يُسأل عنه من الكتاب والسنّة ويقول : إن كان صواباً فمن الله ، وإن كان خطأ فمنّي ومن الشيطان.
نعم هذا الإفتاء بالرأي يفتقر إلى جرأة على الله وعلى رسوله ، وتلك لا تتأتّى
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٩٥. (المؤلف)
(٢) المستدرك للحاكم : ٢ / ٣٠٤ وصحّحه [ ٢ / ٣٣٢ ح ٣١٨٧ ، وكذا في تلخيصه ] ، تلخيص المستدرك للذهبي وأقرّ تصحيح الحاكم ، السنن الكبرى للبيهقي : ٦ / ٢٢٥ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٥٩٥ وذكر تصحيح الحاكم وأقرّه. (المؤلف)
(٣) السنن الكبرى : ٦ / ٢٢٤. (المؤلف)
(٤) النحل : ٤٣.