ونحن لا نعرف شيئاً ممّا حذفوه من فضائله المزعومة أو اختلقوا نسبته إليه إذ من الممكن ـ بل المحقّق ـ أنَّه لم يقل شيئاً ، وإنما اصطنعوا له هذه الصورة لإيهام أنَّه كانت له يوم ذاك فضائل مسلّمة ، لكن نعطف النظرة على المذكور من تلك المناقب وهو كون الخليفة أوّل من أسلم. أو : أوّل من صلّى ، ولم يكن كذلك. والقول به يخالف رأي النبيّ الأعظم ونصوص الصحابة ، وقد فصّلنا القول فيه في الجزء الثالث (ص ٢١٩ ـ ٢٤٣) وذكرنا مائة نصّ عن النبيّ الأقدس وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ، وعن الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان على أنَّ أوّل من أسلم وأوّل من صلى من ذكر هو مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام. وأوضحنا هنالك أنَّ أبا بكر ليس أوّل من أسلم. أو : صلّى. بل في صحيحة الطبري (١) : أنَّه أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً ، فراجع.
ولو كانت الصحابة الأوّلون يعرفون شيئاً من تلكم الموضوعات الجمّة لمَا تركوا الاحتجاج به يوم ذاك في إخضاع الناس بدلاً عن إشفاع الدعوة بالإرهاب والترعيد ، ولما اقتصر عمر بن الخطّاب يوم السقيفة بقوله : من له مثل هذه الثلاث : ثاني اثنين إذ هما في الغار ، إذ يقول لصاحبه لا تحزن ، إنَّ الله معنا.
وبقوله : إنَّ أولى الناس بأمر نبيّ الله ثاني اثنين إذ هما في الغار ، وأبو بكر السبّاق المسنُّ.
وبقوله يوم بيعة العامّة : إنَّ أبا بكر صاحب رسول الله ، وثاني اثنين إذ هما في الغار (٢).
__________________
(١) تاريخ الأمم والملوك : ٢ / ٣١٦.
(٢) سيرة ابن هشام : ٤ / ٣٤٠ [ ٤ / ٣١١ ] ، الرياض النضرة : ١ / ١٦٢ ، ١٦٦ [ ٢ / ٢٠٣ ، ٢٠٦ ] ، تاريخ ابن كثير : ٥ / ٢٤٧ ، ٢٤٨ [ ٥ / ٢٦٧ ، ٢٦٨ حوادث سنة ١١ ه ] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ١٦ [ ٦ / ٣٨ خطبة ٦٦ ] ، السيرة الحلبية ٣ / ٣٨٨ [ ٣ / ٣٥٩ ]. (المؤلف)