النهي) فنحو قولك : لا تقم ولا تقعد ولفظ الدعاء لفظ النهي كما كان كلفظ الأمر تقول : لا يقطع الله يدك ولا يتعس الله جدك ولا يبعد الله غيرك ولا في النهي بمعنى واحد لأنك إنّما تأمره أن يكون ذلك الشيء الموجب منفيا ألا ترى أنّك إذا قلت : قم إنّما تأمره بأن يكون منه قيام فإذا نهيت فقلت : لا تقم فقد أردت منه نفي ذلك فكما أنّ الأمر يراد به الإيجاب فكذلك النهي يراد به النفي ، وأما لام الأمر فنحو قولك : ليقم زيد وليقعد عمرو ولتقم يا فلان تأمر بها المخاطب كما تأمر الغائب وقال عز وجل : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨] ويجوز حذف هذه اللام في الشعر وتعمل مضمرة قال متمم بن نويرة :
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي |
|
لك الويل حرّ الوجه أو يبك من بكى (١) |
أراد : ليبك ولا يجوز أن تضمر لم ولا في ضرورة شاعر.
ولو أضمرا لالتبس الأمر بالإيجاب.
شرح القسم الثاني وهو حرف الجزاء :
اعلم أنّ لحرف الجزاء ثلاثة أحوال حال يظهر فيها وحال يقع موقعه اسم يقوم مقامه ولا يجو أن يظهر معه والثالث أن يحذف مع ما عمل فيه ويكون في الكلام دليل عليه.
__________________
(١) قال الأعلم : هذا من أقبح الضرورة ، لأن الجازم أضعف من الجار ، وحرف الجر لا يضمر. وقد قيل :
إنه مرفوع حذفت لامه ضرورة ، واكتفي بالكسرة منها. وهذا أسهل في الضرورة وأقرب.
وقال النحاس : سمعت علي بن سليمان ، يقول : سمعت محمد بن يزيد ينشد هذا البيت ، ويلحن قائله ، وقال : أنشده الكوفيون ، ولا يعرف قائله ، ولا يحتج به ، ولا يجوز مثله في شعر ولا غيره ؛ لأن الجازم لا يضمر ؛ ولو جاز هذا ، لجاز يقم زيد ، بمعنى : ليقم. وحروف الجزم لا تضمر ، لأنها أضعف من حروف الخفض ، وحرف الخفض لا يضمر.
فبعد أن حكى لنا أبو الحسن هذه الحكاية ، وجدت هذا البيت في كتاب سيبويه يقول فيه : وحدثني أبو الخطاب أنه سمع هذا البيت ممن قاله.
قال أبو إسحاق الزجاج احتجاجا لسيبويه : في هذا البيت حذف اللام ، أي : لتفد. قال : وإنما سماه إضمارا ، لأنه بمنزلته.
وأما قوله : أو يبك من بكى ، فهذا البيت لفصيح ، وليس هذا مثل الأول ، وإن كان سيبويه قد جمع بينهما.
انظر خزانة الأدب ٣ / ٢٨٣.