وعلى هذه المغالطات والاَباطيل أسّس المتقدّمون عقائدهم فجاءت بعدهم أجيال مستضعفة مسكينة مخلصة لكنّها لم تعرف من الدين إلاّ هذه الصورة المقلوبة ، فأخذت تتعصّب لأوهام تظنّ أنّها الحقائق ، وأنّ كلّ ما خالفها فهو الباطل !!
ومن علمائهم المعاصرين من إذا وقف على هذه المغالطات ازداد عصبيّة وعنجهيّة وأزبد وأرعد ، أيكذّب بهذا ويتنكّر لذاك ، عبودية للهوى ليس إلاّ ..
لكنّ منهم من وقف مواقف الأحرار ونجا من طوق الهوى والعصبية إلى قدر جيّد ، فانتقدوا بشدّة تلك الآراء المتهافتة في اتّباع الغالب وإعذار السلف ، ووضع جنايات المفسدين منهم تحت عنوان الاجتهاد والتأويل ، وسخروا من ذلك كلّه.
ومن أجل تبرير ما صنعه بعض الصحابة أعني المتنازعين على الخلافة ، قالوا : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مات وترك الاُمّة هكذا هملاً بغير إمام ، وترك الأمر إلى الاُمّة. وهذا أعظم شيء افتروه على الله والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكنّ العجيب أنّه لمّا يأتي ذكر أبي بكر وعمر وغيرهم ينزّهونهم عن هذه الخلّة ، ويقولون : إنّهم لا يمكن أن يتركوا هذه الاُمّة بلا إمام فتقع الفتنة (١) !!
فاذا كان الخليفة منزّهاً عن أن يترك الاُمّة هملاً بلا إمام ، أفليس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أولى بهذا التنزيه ؟! هل أدرك الخلفاء أمراً غاب عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ أم كان هو صلىاللهعليهوآلهوسلم أقلّ منهم حرصاً على هذا الدين وعلى الاُمّة ؟!
__________________
(١) الأحكام السلطانية ، للفراء : ١٠. والأحكام السلطانية ، للبغوي : ٢٥ ـ ٢٦. والفصل ، لابن حزم ٤ : ١٦٩. والكامل في التاريخ ٣ : ٦٥.