أدرك بعض علماء العامّة بعد نهاية القرن الأول فداحة الخطورة الناجمة عن منع تدوين الحديث بشكل رسمي فاستغلوا أمر عمر بن عبدالعزيز بجمع الحديث وتدوينه ، ولكن بعد أن أصابه ما أصابه وداخله ما داخله ، فانطلق هؤلاء ـ وعلى رأسهم الزهري وهو من ألصق الناس بقصور الأمويين ـ يدوّنون ما في جُعَب أصحابهم من تلك الموضوعات والمزوّرات وكثير منهم يظنّ أنّها الحقّ ، وأسقطوا ما خالفها ؛ لأنه من حديث (الشيعة) الذين لم يطاوعوا بني اُميّة عقيدياً ولا سياسياً.
على أن عمر بن عبدالعزيز الذي كان عهده بداية الانفتاح على التدوين عند ( العامّة ) لم يأمر بأخذ السُنّة عن أهلها بل كتب إلى أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزم أن يكتب إليه بما ثبت عنده من حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحديث عمر (١). ولا يخفى عليك ان حديث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما هو عند أهله الذين اجتباهم الله وطهّرهم ، ولهم من الفضائل في صحاح القوم ما لا يحصى ، وليس عند غيرهم من الحديث حتى يطلب سوى أضغاث من الحق والباطل ، ولو أحبّ ابن عبدالعزيز الحق فعلاً لطلبه من أهله لاممن وقف موقف الخصم اللدود من السُنّة النبوية المطهّرة ، فهو لم يعرف الحق لأنه تجاهل أهله ، لكنه على كلِّ حال فسح المجال أمام رواة الحديث بعد أن أدرك تحقق أغراض المنع بأوضح صورة من ابتعاد الناس عن سُنّة أهل البيت عليهمالسلام ، وتعلقهم بالسُنّة العمرية التي انتدب الناس لتدوينها تحت ستار حديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم !!
__________________
(١) سنن الدارمي ١ : ١٢٦.