الإمام عليّ عليهالسلام نفسه في خطبته الشهيرة بالقاصعة إذ يقول : « وقد علمتم موضعي من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حِجره وأنا وَلدٌ ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسُني جسده ، ويُشِمني عَرْفَه. وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه ، وما وَجَدَ لي كذبةً في قولٍ ، ولا خطلةً في فعل ... ولقد كنتُ أتّبعهُ اتّباعَ الفصيل اثرَ اُمِه ، يرفع لي في كلِّ يومٍ من أخلاقه عَلَماً ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاورُ في كلِّ سنةٍ بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذ في الإسلام غيرَ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخديجةَ وأنا ثالثُهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُ ريح النبوة ... » (١).
إنَّ هذه الصورة التي ينقلها لنا الإمام عليّ عليهالسلام نفسه عن كيفية وطريقة التعامل التي كان يتبعها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معه ، تكشف لنا عن حقيقة وأبعاد الهدف الأعظم من ذلك.
إنَّ هذه التربية المخصوصة للإمام عليّ عليهالسلام ، والرعاية الفائقة ، والحرص على أن يكون الإمام عليّ عليهالسلام قريباً جداً من أنوار الوحي ، وأن يكون متعرضاً لنفحات النبوة ، وأن يكون ثالث ثلاثة في بيت الرسول القائد حيثُ مهبط الوحي ، إنّما لكي يتلقّى الإمام عليّ عليهالسلام في هذا المكان المشرّف الدروس الأولى ، والتوجيهات النبوية المباشرة ، فينعكس ذلك على تكوينه الفكري والعقيدي «فلا يسجد لصنم قط» (٢) ولا يخالط عقله
__________________
(١) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : ٣٠٠ ـ ٣٠١ خطبة ١٩٢.
(٢) مناقب أمير المؤمنين ٢ : ٥٤٠ / ١٠٤٥ عن أبي سعيد الخدري. والروض الآنف ، للسهيلي ٣