دقيقة علمية كما نجد ذلك عند سيبويه والمبرد وابن جني وغيرهم من علماء القرن الثاني والثالث والرابع للهجرة وهي فترة البحث والتعقيد ، حتى إذا جاءت القرون اللاحقة وعقد كثير من العلماء الأمور بالمتون والحواشي والتكرار مع إضافات قليلة لبعض العلماء كابن هشام مثلا الذي ألف كتبا كثيرة في النحو والصرف متتبعا أسلوبا جديدا في التأليف كما هو واضح في كتابه «شذور الذهب» ، و «مغني الليب عن كتب الأعاريب» اللذين ظهر فيهما جهده وعلمه في كيفية تناوله للموضوع ، وطريقة عرضه لمفاهيم الأبواب والجمل والمفردات ، وتقصي معاني الحروف للوصول إليها ، وذلك جلي في «المغني». إذن فالقدماء من العلماء قد بذلوا جهدا للوصول إلى حقائق الأمور ، ولا ننسى جهود العالم الجليل الخليل بن أحمد في النحو واللغة والصرف وعبقريته العظيمة التي استطاعت اكتشاف بحور الشعر الخمسة عشر إلا بحرا واحدا هو المتدارك الذي اكتشفه الأخفش ، هذه التعقيبة وإن طالت إلا أننا رأينا ضرورة ذكرها لبيان فضل القدماء الأوائل ، وعدم إهدار حقهم.
وتظهر طبيعة العصر في ما ظهر فيه من الفلسفة والمنطق في شرح المفصل حيث يقول (فالمتمكن أعم من الأمكن ، فكل أمكن متمكن وليس كل متمكن أمكن) (١) وهنا تظهر قاعدة العموم والخصوص المنطقية فقد يكون الاسم متمكنا أي معربا لكنه لا يكون أمكن أي لا يكون منصرفا ، ولكن إذا كان الاسم أمكن أي مصروفا فإنه بطبيعة الحال يكون متمكنا أي معربا ؛ لأن الأمكن لا يصل إلى هذه الدرجة إلا إذا كان متمكنا. وذلك كقول المناطقة «كل إنسان حيوان» ولكن لا
__________________
(١) شرح المفصل ١ / ٥٧.