قال السيد : ما يضحكك يا ابن أثاك.
قال : عجبت فضحكت.
قال : أو عجب ما تسمع؟!
قال : نعم ، العجب أجمع ، أليس ـ بالإله ـ بعجيب من رجل أوتي أثرة من علم وحكمة يزعم أن الله عز وجل اصطفى لنبوته ، واختص برسالته ، وأيّد بروحه وحكمته ، رجلا خراصا يكذب عليه ويقول : أوحى إليّ ولم يوح إليه ، فيخلط كالكاهن كذبا بصدق ، وباطلا بحق!
فارتدع السيد وعلم أنه قد وهل فأمسك محجوجا.
قالوا : وكان حارثة بنجران حثيثا ـ يعني غريبا ـ فأقبل عليه العاقب وقد قطعه ما فرط إلى السيّد من قوله ، فقال له : عليك أخا بني قيس بن ثعلبة ، واحبس عليك ذلق لسانك وما لم تزل تستخم لنا من مثابة سفهك ، فرب كلمة ترفع صاحبها رأسا قد ألقته في قعر مظلمة ، ورب كلمة لامت ورابت قلوبا نغلة ، فدع عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك ما ليس لنا اعتذاره.
ثم قال : وذكرت أخا قريش وما جاء به من الآيات والنذر ، فأطلت وأعرضت ، ولقد برزت ، فنحن بمحمد عالمون ، وبه جدا موقنون ، شهدت لقد انتظمت له الآيات والبينات ، سالفها وآنفها إلا آية هي أسعاها وأشرفها ، وإنما مثلها في ما جاء به كمثل الرأس للجسد ، فما حال حسد لا رأس له؟! فامهل رويدا نتجسس الأخبار ونعتبر الآثار ، ولنستشف ما ألفينا مما أفضى إلينا ، فإن آنسنا الآية الجامعة الخاتمة لديه فنحن إليه أسرع وله أطوع ، وإلا فأعلم ما نذكر به النبوة والسفارة عن الرب الذي لا تفاوت في أمره ، ولا تغاير في حكمه.