أثره الكبير فى إنتاجه العلمى الغزير ، ورواج هذا النتاج فى الشرق بعامة ، وفى مصر بخاصة.
رابعا : جولة ابن مالك فى بلاد الشّرق واستقراره بدمشق :
مما يمكننا أن نستخلصه ونرجحه ، ونراه أقرب إلى الصواب ، وطبائع الأمور ، مما ذكره ابن الجزرى فى «غاية النهاية فى طبقات القراء» (١) ، والسيوطى فى «بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة» (٢) ، والمقرى فى «نفح الطيب» (٣) ، وكارل بروكلمان فى «تاريخ الأدب العربى» : أن ابن مالك قد مر بالقاهرة والحجاز ثم بدمشق ، وهو فى دمشق ، سمع عن ابن يعيش ، صاحب «شرح المفصل» بحلب ، فواصل الرحلة إليه ، وهو فى طريقه إلى حلب مر بحماة ، وكذلك فى طريقه عند عودته إلى دمشق ليستقر بها ، ولا بد أنه أخذ فى أول مروره بدمشق عن بعض علمائها على ما سنبينه بعد قليل.
وهو فى حلب أخذ عن ابن يعيش ، وجالس تلميذه النابغ ابن عمرون (٤). ويبدو مما ذكر فى روايات من ترجموا له أنه أتم دراساته بحلب ، وأخذ عنه بها ، وبحماة ، فى طريق عودته إلى دمشق واستقر بها يعمل بالإمامة والتدريس والتصنيف.
خامسا : أثر هذه الرّحلة فى ابن مالك :
رحل ابن مالك بن الأندلس إلى دمشق ، وكانت الرحلة فى ذلك الحين أمرا مألوفا لدى العلماء ، وشجع على هذا أيضا أن الوطن العربى والإسلامى كله كان وحدة علمية وسياسية متصلة الأطراف ، لا سدود ولا قيود فى وجه العلم والعلماء.
وحقّا لقد كان لهذه الرحلة أثرها البالغ فى ابن مالك ، بل يمكننا القول : إن هذه الرّحلة غيرت ابن مالك تغييرا شاملا ، وصبغته بصبغة شرقية فى خلقه ومسلكه ، ومذهبه ، وثقافته ؛ فقد كان وهو بالأندلس مالكى المذهب ، على عادة أهل الأندلس ؛ لانتشار مذهب مالك هناك وقتئذ ، فلما رحل إلى الشرق انتقل إلى المذهب الشافعى ، وليس تغيير المذهب فى ذلك الحين بالأمر الهين ، فقد كان أهم
__________________
(١) غاية النهاية فى طبقات القراء ٢ / ١٨٠ ، ١٨١.
(٢) بغية الوعاة ١ / ١٣٠.
(٣) نفح الطيب ٢ / ٢٢٢ ، وما بعدها.
(٤) نفح الطيب ٢ / ٢٢٢ ، وما بعدها.