تعجزون ، فأنتم عن حرارة السيف أعجز ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
يا أهل الكوفة ، قد أتاني الصريخ يخبرني أن أخا غامد (١) قد نزل الأنبار على أهلها ليلا في أربعة آلاف ، فأغار عليهم كما يغار على الروم والخزر ، فقتل بها عاملي ابن حسان وقتل معه رجالا صالحين ذوي فضل وعبادة ونجدة ، بوأ الله لهم جنات النعيم ، وإنه أباحها ، ولقد بلغني أن العصبة من أهل الشام كانوا يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة ، فيه تكون سترها ، ويأخذون القناع من رأسها ، والخرص (٢) من أذنها ، والأوضاح (٣) من يديها ورجليها وعضديها ، والخلخال والمئزر من سوقها ، فما تمتنع إلا بالاسترجاع والنداء : يا للمسلمين ، فلا يغيثها مغيث ، ولا ينصرها ناصر. فلو أن مؤمنا مات من دون هذا أسفا ما كان عندي ملوما ، بل كان عندي بارا محسنا.
واعجبا كل العجب ، من تضافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقكم! قد صرتم غرضا يرمى ولا ترمون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ، تربت أيديكم يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها ، كلما اجتمعت من جانب تفرقت من جانب " (٤).
أقول : والتأمل في فقرات هذه الخطبة يكشف عن تجميعها من روايات مختلفة ، وقد ورد كثير من فقراتها مسندا في مصادر أخرى وفي اسانيدها رجال غير مؤتمنين على أهل الكوفة كما بينا.
أورد قسما منها الشريف الرضي في المختار من خطب الإمام علي ولم يكن همه رحمهالله حين اختار من الخطب والرسائل التحقيق ، ومن المؤسف انه لم يورد مصادر ولا أسانيد مختاراته ، ولكن الباحث لا يعسر عليه ان يجد اسانيدها في هذا المصدر أو ذاك (٥) ، ومن خلال مقارنتها بعضها مع بعض يستطيع الباحث ان يحكم على الاصيل
__________________
(١) أخا غامد ، هو سفيان بن عرف بن المغفل الغامدي ، أمره معاوية على جيش لغارة على أهل الأنبار والمدائن في أيام علي عليهالسلام ، وقتل حسان بن حسان عامل علي عليهالسلام على الأنبار.
(٢) الخرص : الحلقة من الذهب والفضة.
(٣) الاوضاح : حلي من الفضة.
(٤) الشيخ المفيد ، الإرشاد ج ١ ص ٢٧٨ ـ ٢٨٤.
(٥) وقد انبرى في عصرنا اكثر من باحث لتتبع اسانيد هذه الخطب منهم الباحث عبد الله نعمة ، مصادر