كان عبد الله بن مسعود من الأوفياء لسياسة عمر وفتاواه (١) منسجما كل الانسجام مع السلطة الحاكمة وقد روى البلاذري ان ابن مسعود وكان أول الناس جاء ببيعة عثمان إلى الكوفة وأخذها على الناس (٢) غير انه اصطدم فيما بعد مع عثمان في قصة تغيير المصاحف بسبب عدم إشراكه في اللجنة الخاصة وتفضيل زيد بن ثابت عليه فدعا الكوفيين إلى عدم تسليم مصاحفهم وامتنع هو من تسليم مصحفه لمبعوث عثمان مع ملاحظات سابقة له على سيرة الوليد بن عقبة فأمر عثمان بإشخاصه إلى المدينة وضُرب هناك وكسرت أضلاعه ومنع من العطاء سنتين.
روى ابن شبة قال حدثنا عبد الله بن رجاء قال ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حمير بن مالك قال : لما أمر بالمصاحف أن تُغّيَّر ساء ذلك عبد الله بن مسعود رضياللهعنه فقال : من استطاع منكم أن يغل مصحفا فليفعل ، فإن من غل شيئا جاء بما غل يوم القيامة ، ثم قال : لقد قرأت القرآن من في (أي فم) رسول الله سبعين سورة ، وزيد صبي ، أفأترك ما أخذت من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم. (٣)
وفي رواية أخرى عن محمد بن عبد الله بن المثنى الانصاري قال ، حدثنا إسرائيل بن يونس ، عن ثوبر بن أبي فاختة ، عن أبيه قال : بعث عثمان رضياللهعنه إلى عبد الله أن يدفع المصحف إليه. قال : ولم؟ قال : لأنه كتب القرآن على حرف زيد. قال : أما أن أعطيه المصحف فلن أعطيكموه ، ومن استطاع أن يغل شيئا فليفعل ، والله لقد قرأت من في رسول الله صلىاللهعليهوسلم سبعين سورة ، وإن زيدا لذو ذؤابتين يلعب بالمدينة. (٤)
وروى ابن عبد البر عن الأعمش عن شقيق أبى وائل قال لما أمر عثمان في المصاحف بما أمر قام عبد الله بن مسعود خطيبا فقال : أيأمروني أن أقرأ القرآن على
__________________
(١) اذ تجاوب معه في قضية نشر الحديث وإتلاف صحفه وقد مرت أخباره فيها كما تجاوب معه في فتواه في عدم الصلاة للمجنب عند فقدانه الماء.
(٢) البلاذري انساب الاشراف ج ١١ ص ٢٢٧.
(٣) النميري عمر بن شبة ، تاريخ المدينة المنورة ، دار الفكر ١٤١٠ هـ ، ص ١٠٠٦ ، ورواه أيضا السجستاني ، ابن أبي داود في كتاب المصاحف ، دار الكتب العلمية بيروت ١٩٩٥ م ص ١٧.
(٤) المصدر السابق.