اغتياله لأنه كان قد بوأه الحسن ملكا لا يحلم به وقيده بشروط يتحول بها الحكم المدني إلى خدمة حقيقية للامة وتهيئ لمعاوية فرصة المراجعة الحقيقية لمسيرته إلى الله لو أراد تصحيحها ، فإلى من تتجه الانظار في التهمة إذن إذا نفيناها عن معاوية (١) كما نفاها المستشرق لامنس عنه ومن قبله ابن كثير والذهبي وابن خلدون؟. (٢)
أقول : في مثل قضية وفاة غير طبيعية استغرقت أربعين يوما (٣) لرجل كالإمام الحسن بلغ من الشرف ما لم يبلغه احد بعد النبي كما قال المؤرخ الأقدم ابن إسحاق ، وايدت الوقائع التاريخية قوله فيه وفي عمر ليس هو عمر الموت ، وبكون هذه الشخصية
__________________
(١) قال في الاستيعاب في ترجمة الحسن عليهالسلام : قال قتادة وابو بكر بن حفص : سم الحسن بن علي سمته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي ، وقالت طائفة : كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذله لها في ذلك وكان لها ضرائر. وروى الذهبي عن الواقدي قال : وقد سمعت من يقول : كان معاوية قد تلطف لبعض خدم الحسن ان يسقيه سما.
(٢) قال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) بعد أن حكى قول ابن عبد البر في الاستيعاب : «وقالت طائفة : كان ذلك بتدسيس معاوية لها لجعدة وبذله لها على ذلك». قال الذهبي : «قلت : هذا شيء لا يصح فمن الّذي اطّلع عليه» (تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والأعلام ، ط القدسي بمصر ، ج ٢ ص ٢١٩). وقال ابن كثير (ت ٧٤٧ هـ) : «وعندي ان هذا تدسيس يزيد لجعدة بسم الحسن ليس بصحيح ، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى» (ابن كثير ، البداية والنهاية ج ٨ ص ٤٣.) وقال ابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ) : «وما ينقل من انّ معاوية قد دس السم إلى الإمام الحسن على يد زوجته جعدة بنت الأشعث فهو من أحاديث الشيعة وحاشا لمعاوية ذلك» (ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، ط دار الكتاب اللبناني ، ج ٢ ص ١٨٧) ، (نقلنا قول الذهبي وابن كثير وابن خلدون من موسوعة عبد الله بن عباس للعلامة المحقق آية الله السيد محمد مهدي الخرسان ج ٥ ص ١٠١ فما بعد) ثم ننقل تعليقه في الموضوع قال : (وقضية سم معاوية للإمام الحسن عليهالسلام تظافر نقلها تظافراً يكاج يلحقها بالتواتر فقد ذكرها جملة من المؤرخين من القدامى والمحدثَين ، وجزم بها غير واحد منهم قتادة ، وأبو بكر بن حفص ، والزين العراقي ، كما حكاه عنهم ابن حجر الهيتمي في الصواعق ، وهو منهم في جزمه ، ولم يستبعد ذلك إلّا بعض الشاذين ممّن هواه مع الأمويين كالذهبي ، وابن كثير ، وابن خلدون من السابقين ، وتبعهم من اللاحقين المعاصرين من غربيين ومغتربين وعرب متغرّبين ، ممّن لا يؤبه بهم. ثم ذكر قائمة ضمت خمسين اسما من المؤرخين السابقين المثبتين لحادثة السم ، وفيهم مَن أكّد ضلوع معاوية في الجريمة ، وجميعهم ليسوا من الشيعة الّذين اتهمهم ابن خلدون. وقد رتبتهم حسب تسلسل وفياتهم على القرون).
(٣) قال ابن سعد : أخبرنا يحيى بن حماد ، قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن موسى : إن جعدة بنت الأشعث بن قيس سقت الحسن السم فاشتكى منه شكاة. قال : فكان يوضع تحته طست وترفع أخرى ، نحوا من أربعين يوما ، (ترجمة الامام الحسن من طبقات ابن سعد ص ٨٤).