إذ أنكر عليه بعض الخاصة من أصحابه ، كما أنكر على الحسن صلح «ساباط» بعض الخاصة من أوليائه ، فلم يهن بذلك عزمه ، ولا ضاق به ذرعه.
تهيأ للحسن بهذا الصلح أن يغرسَ في طريق معاوية كميناً من نفسه يثور عليه من حيث لا يشعر فيُرديه ، وتسنى له به أن يُلغم نصرَ الأموية ببارود الأموية نفسها. فيجعل نصرها جفاءا ، وريحا هباءا. لم يطل الوقت حتى انفجرت أولى القنابل المغروسة في شروط الصلح ، انفجرت من نفس معاوية يوم نشوته بنصره ، إذ انضم جيش العراق إلى لوائه في النخيلة. فقال ـ وقد قام خطيبا فيهم ـ : «يا أهل العراق ، إني والله لم أقاتلكم لتصلوا ولا لتصوموا ، ولا لتزكوا ، ولا لتحجوا ، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون!. ألا وان كل شيء أعطيته للحسن بن علي جعلته تحت قدمي هاتين!» (١).
فلما تمت له البيعة خطب فذكر عليا فنال منه ، ونال من الحسن ، فقام الحسين ليرد عليه ، فقال له الحسن : «على رسلك يا أخي». ثم قام عليهالسلام فقال : «أيها الذاكر عليا! أنا الحسن وأبي علي ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمي فاطمة وأمك هند ، وجدي رسول الله وجدك عتبة ، وجدتي خديجة وجدتك فتيلة ، فلعن الله أخملنا ذكرا ، وألأمنا حسبا ، وشرنا قديما ، وأقدمنا كفرا ونفاقا!» فقالت طوائف من أهل المسجد : «آمين».
ثم تتابعت سياسة معاوية ، تنفجر بكل ما يخالف الكتاب والسنة من كل منكر في الإسلام ، قتلا للأبرار ، وهتكا للإعراض ، وسلبا للأموال ، وسجنا للأحرار ، وتشريدا للمصلحين ، وتأييدا للمفسدين الذين جعلهم وزراء دولته ، كابن العاس ، وابن شعبة ، وابن سعيد ، وابن أرطأة ، وابن جندب ، وابن السمط ، وابن الحكم ، وابن مرجانة ، وابن عقبة ، وابن سمية الذي نفاه عن أبيه الشرعي عُبيد ، وألحقه بالمسافح أبيه أبي أبناءهم ، ويستحيي نساءهم ، ويفرقهم عباديد ، تحت كل كوكب ، ويحرق بيوتهم ، ويصطفي أموالهم ، لا يألو جهدا في ظلمهم بكل طريق. ختم معاوية منكراته هذه
__________________
(١) سيأتي التعليق على هذه الرواية والتي بعدها.