الثاني لتقرير ما سبق ، بل هو لتكرير المعنى ، لأن الثاني غير الأول معنى ، والمعنى : جميع السّور ، وصفوفا مختلفة ؛
وقد أجاز الكوفيون تأكيد المنكّر إذا كان معلوم المقدار أو مؤقتا ، كدرهم ودينار ، ويوم وليلة وشهر ، بكلّ وأخواته لا بالنفس والعين. وليس ما ذهبوا إليه ببعيد ، لاحتمال تعلق الفعل ببعض ذلك المؤقت فعلى هذا ، لا يشترط تطابق التأكيد والمؤكد تعريفا وتنكيرا عندهم ؛ خلافا للبصريين ، وأمّا نحو رجال ودراهم مما ليس بمعلوم المقدار فلا خلاف في امتناع تأكيده ؛
واستشهد الكوفيّة لجواز ذلك بقوله :
٣٥٣ ـ يا ليتني كنت صبيا مرضعا |
|
تحملني الذلفاء حولا أكتعا (١) |
وقول الآخر :
قد صرّت البكرة يوما أجمعا (٢) ـ ٢٥
وأمّا قوله :
٣٥٤ ـ أولاك بنو خير وشر كليهما |
|
جميعا ومعروف ألمّ ومنكر (٣) |
فحمل «كليهما» على البدل ، عند أهل المصرين (٤) ، أولى ، لأن : خير ، وشر ، ليسا بمؤقتين ؛
__________________
(١) قال البغدادي نقلا عن العقد الفريد : نظر أعرابي إلى امرأة جميلة تحمل طفلا كلما بكى قبلته فقال :
يا ليتني كنت صبيا ..
الخ وبعد هذين الشطرين :
إذن ظللت الدهر أبكي أجمعا ؛
ولم يذكر أحد نسبته لأحد ، والذلفاء مؤنث أذلف ، والذلف استقامة الأنف وهو من علامات الجمال ،
(٢) تقدم الاستشهاد بهذا البيت في الجزء الأول ص ١٢٠
(٣) هذا آخر أبيات أربعة لمسافع بن حذيفة العبسي أوردها أبو تمام في باب المراثي من الحماسة ، والشاعر يرثي بها قومه ، وأول هذه الأبيات :
أبعد بني عمرو أسرّ بمقبل |
|
من العيش أو آسى على إثر مدبر |
(٤) يعني البصريين والكوفيين ،