الفرات إذ هو برجل أصهب مقرون الحاجبين ، أدعج العينين ، يغسل طمرين له من صوف ، فدنا منه هرم بن حيّان فقال : السلام عليك ورحمة الله يا أويس ، فأجابه بمثل ذلك من السلام وقال له : يا هرم بن حيّان ، قال له هرم : كيف الزمان عليك؟ قال له أويس : كيف الزمان على رجل إذا أصبح يقول لا أمسي ، ويمسي يقول لا أصبح ، يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يترك للمؤمنين فرحا ، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يترك للمؤمن صديقا ، فقال له هرم : يا أويس أما معرفتك أن عمر وعليا وصفاك لي فعرفتك بصفتهما ، فأنت فمن أين عرفتني؟ قال له أويس : إن الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها في الله ائتلف ، وما تناكر في الله اختلف. قال له أويس : يا هرم اتل عليّ (١) آيات من كتاب الله عزوجل فتلا عليه هذه الآية : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)(٢) قال : فخرّ أويس مغشيا عليه ، فلما أفاق قال له هرم : إني أريد أن أصحبك وأكون معك ، فقال له أويس : لا يا هرم ولكن إذا مت فكفنني وتدفنني ، ثم إنهما افترقا ، ولم يزل هرم بن حيّان في طلب أويس حتى دخل مدينة من مدائن الشام ، يقال لها دمشق ، فإذا هو برجل ملفوف في عباءة له ملقى في صحن المسجد ، فدنا منه فكشف منه العباءة عن وجهه فإذا هو بأويس قد توفي ، فوضع يده على أمّ رأسه ثم قال : وآخاه هذا أويس القرني مات ضائعا ، فقالوا له : من أنت يا عبد الله؟ ومن هذا؟ فقال : أمّا أنا فهرم بن حيّان المرادي ، وأما هذا فأويس القرني وليّ الله. قالوا : فإنا قد جمعنا له ثوبين نكفنه فيهما ، فقال لهم هرم : ما له بثمن ثوبيكم حاجة ، ولكن يكفنه هرم بن حيّان من ماله ، قال : فضرب هرم بيده إلى مزود أويس فإذا هو بثوبين لم يكن له بهما عهد عند رأس أويس على أحدهما مكتوب : بسم الله الرّحمن الرحيم براءة من الله الرّحمن الرحيم لأويس القرني من النار ؛ وعلى الآخر مكتوب : «هذا كفن لأويس القرني من الجنة».
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا إسماعيل بن مسعدة ، أنا حمزة بن يوسف ، أنا [أبو](٣) أحمد بن عديّ ، حدّثنا أحمد بن الحسين بن عبد الصمد ، حدّثنا أبو الوليد الحرّاني ـ يعني وهب بن حفص ـ حدّثنا عمر بن حفص [بن] عمر ، حدّثنا الحكم بن
__________________
(١) بالأصل : عليهم والمثبت عن م.
(٢) سورة الدخان ، الآية : ٣٨.
(٣) زيادة لازمة عن م.