فإني كثير الهمّ ، شديد الغم ، ما دمت مع هؤلاء الناس حيا وأكره الشهرة ، والوحدة أحبّ إلي فلا تطلبني ، خذ هكذا. قال : فجهدت أن أمشي معه ساعة فأبى عليّ فدخل في بعض أزقة الكوفة ، قال : فجعلت التفت إليه وأنا أبكي ويبكي حتى توارى عني ، فسألت عنه وطلبته فلم أجد أحدا يخبر عنه بشيء ، قال : فما أتت عليّ جمعة إلّا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين. أو كما قال.
قرأت على أبي عبد الله بن البنّا ، عن أبي الحسين بن الآبنوسي ، أنا أبو بكر بن بيري (١) ، ـ قراءة ـ أنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزعفراني ، حدّثنا أبو بكر بن أبي خيثمة ، حدّثنا هارون بن معروف ، حدّثنا ضمرة بن ربيعة ، قال عثمان بن عطاء ، حدّثنا عن أبيه قال : كان أويس القرني ـ كذا قال عطاء الخراساني ـ يجالس رجلا من فقهاء الكوفة يقال له يسير ، قال ففقده فلم يزل يسأل عنه حتى انتهى إلى منزله فإذا هو في خصّ (٢) له ، وإذا هو يجلس في بيته من العري ، فلم يستطع [أن](٣) يخرج من العري قال : فكساه حلة إزار ورداء فخرج فيهما ، قال : وقد كان فتى من حيّه يولع به إذا رآه يمشي مشية لص ، قال : فلما رأى عليه تلك الحلة جعل يقول : من طرف أوس سرق حلته ، قال : فلما سمع ذلك جاء إلى يسير فقال : خذ ثوبيك لا حاجة لي بهما ، قال : ما لك؟ قال : إن رجلا من قومي يولع بي ويقول : انظر من طرف أوس سرق حلته ، فقام يسير وقام معه أناس من إخوانه حتى أتوا حيه فأعلمهم أنه هو الذي كساه تلك الحلة فأوصاهم به قال : ثم انصرف قال : فذكر يسير يوما الحج فحض عليه ، فقال أويس : لو كان عندي زاد وراحلة لحججت ، قال : فقال رجل : عندي راحلة ، وقال آخر : عندي زاد ، قال : فحجّ فمر بالمدينة ، قال وكان عمر بن الخطاب مما يبرز من المدينة هو وأصحابه ، قال : فمر أوس قريبا من مجلس عمر ، فسقط زمام راحلته ، فقال عمر : ألا أحد يناول هذا الرجل زمام راحلته فتناول القوم ، قال : فقام عمر بن الخطاب حتى أخذ الخطام فناوله ، فلما رفع أوس يده رأى به العلامة فقال له عمر : من أنت؟ قال : أنا أوس. قال : من من؟ قال : من مذحج ، قال : ثم من من؟ قال : ثم من مراد ، قال : ثم من من؟ قال : من قرن. قال : استغفر لي قال : يغفر الله لك يا أمير
__________________
(١) رسمها غير واضح بالأصل وم والصواب ما أثبت وقد مرّ قريبا.
(٢) الخص بالضم البيت من قصب ، أو البيت يسقف بخشبة كالأزج (القاموس).
(٣) زيادة لازمة سقطت اللفظة من الأصل وم.