منهم؟ قال : «ذاك أويس القرني». [قالوا :](١) وما أويس القرني؟ قال : «أشهل ذو صهوبة بعيد ما بين المنكبين ، معتدل القامة ، آدم شديد الأدمة ، ضارب بذقنه إلى صدره ، رام ببصره موضع سجوده ، واضع يمينه على شماله ، يتلو القرآن يبكي على نفسه ، ذو طمرين لا يؤبه له ، متزر بإزار صوف ورداء. تحت منكبه لمعة بيضاء. ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد : ادخلوا الجنة ، ويقال لأويس : قف لتشفع ، فيشفّعه الله في مثل عدد ربيعة ومضر. يا عمر ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه أن يستغفر لكما يغفر الله لكما» [٢٤٤٩].
قال : فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه ، فلما كان في آخر سنة قبض فيها عمر في ذلك العام ، صعد على أبي قبيس (٢) فنادى بأعلى صوته : يا أهل الحجيج من أهل اليمن أفيكم أويس القرني؟ فقال شيخ طويل كبير طويل اللحية فقال : إنّا لا ندري ما أويس ولكن ابن أخ لي يقال [له](٣) أويس وهو أخمل ذكرا وأقلّ مالا وأهون أمرا فينا نرفعه إليك ، وإنه ليرعى إبلنا حقيرا بين أظهرنا. فعمّى (٤) عليه عمر كأنه لا يريده فقال : ابن أخيك هذا بحرمنا هو؟ قال : نعم ، قال : وأين يصاب؟ قال : بأراك عرفات. قال : فركب عمر وعلي سراعا [إلى](٥) عرفات فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى فشدّا حماريهما ثم أقبلا إليه ، فقالا : السلام عليك ورحمة الله ، فخفّف أويس الصلاة ثم قال : السلام عليكما ورحمة الله وبركاته. قالا : من الرجل؟ قال : راعي إبل وأجير لقوم ، قالا : لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة ، قالا : ما اسمك؟ قال : عبد الله ، قالا : قد علمنا أن أهل السموات (٦) والله كلهم عبيد الله فما اسمك الذي سمّتك أمك؟ قال : يا هذان ما تريدان إلى هذا؟ قالا : وصف لنا محمد صلىاللهعليهوسلم أويس القرني فقد عرفنا الصهوبة والشهولة ، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء ، فأوضحها لنا فإن كانت بك فأنت هو ، فأوضح منكبه فإذا اللّمعة ، فابتدراه يقبّلانه وقالا : نشهد أنك أويس القرني ، فاستغفر لنا يغفر الله لك. قال : ما أخصّ باستغفاري نفسي ولا أحدا من ولد آدم ، ولكنه في البر والبحر في المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ، يا هذان قد شهر الله لكما حالي وعرّفكما أمري فمن
__________________
(١) زيادة عن الحلية.
(٢) أبو قبيس : جبل مشرف على مسجد مكة (معجم البلدان).
(٣) زيادة عن الحلية.
(٤) عن الحلية ، وبالأصل «فنعم».
(٥) زيادة عن الحلية.
(٦) الحلية : أهل السموات والأرض.