الخسيف ، وهو البير يحفر في حجارة ، فيستخرج منها ماء كثير ، وافتقر : فتح ، وهو من الفقير ، والفقير : فم القناة. وقوله : عن معان عور يريد أن امرأ القيس من اليمن ، وليست لهم فصاحة.
قال أبو سليمان : هذا لا وجه له ولا موضع لاستعماله فيمن لا فصاحة له ، وإنما أريد بالعور هاهنا : غموض المعاني فيها من قولك : عورت الركية إذا دفنتها (١) ، وركية عوراء. قال الشاعر :
ومنهل أعور إحدى العينين |
|
بصيرة الأخرى أصمّ الأذنين (٢) |
جعل العين التي تنبع بالماء بصيرة ، وجعل المندفنة عوراء ، فالمعاني العور على هذا هي الباطنة الخفية ، كقولك : هذا كلام معميّ أي غامض غير واضح.
أراد عمر أنه قد غاص على معان خفية على الناس ، فكشفها لهم ، وضرب العور مثلا لغموضها وجفائها ، وصحة البصر مثلا في ظهورها وبيانها. وذلك كما أجمعت عليه الرواة من سبقه إلى معان كثيرة لم يحتذ فيها إلى مثال متقدم : كابتدائه في القصيدة بالتشبيب ، والبكاء في الأطلال ، والتشبيهات المصيبة ، والمعاني المقتضبة التي تفرّد بها ، فتبعه الشعراء عليها ، وامتثلوا رسمه فيها.
قرأت على أبي القاسم بن السّمرقندي ، عن أبي محمد عبد الوهاب بن علي بن عبد الوهاب السّكّري ، أنا علي بن عبد العزيز الطاهري ـ قراءة عليه ـ أنا أبو بكر أحمد بن جعفر ، أنا الفضل بن الحباب ، حدثنا محمد بن سلّام الجمحي ، أخبرني يونس بن حبيب : أن علماء البصرة كانوا يقدّمون امرأ القيس بن حجر ، وأن أهل الكوفة كانوا يقدّمون الأعشى ، وأن أهل الحجاز والبادية يقدمون زهيرا والنابغة (٣).
قال ابن سلّام (٤) :
وأخبرني أبان بن عثمان البجلي قال : مرّ لبيد بالكوفة في بني نهد فأتبعوه رسولا
__________________
(١) في بغية الطلب : دققتها.
(٢) الرجز في اللسان (عور) باختلاف ألفاظه.
(٣) بغية الطلب ٤ / ٢٠٠٩ نقلا عن ابن سلّام ، وطبقات الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي ص ٤١ (الطبقة الأولى).
(٤) طبقات الشعراء ص ٤٢ وبغية الطلب ٤ / ٢٠٠٩.