إبراهيم بن أبي عبلة ، قال : بعث إليّ هشام بن عبد الملك فقال : يا إبراهيم إنا قد عرفناك صغيرا ، واختبرناك كبيرا ، ورضينا بسيرتك وبحالك ، وقد رأيت أن أخلطك (١) بنفسي وخاصّتي ، وأشركك في عملي ، وقد وليتك خراج مصر. قال : فقلت : أما الذي عليه رأيك يا أمير المؤمنين فالله يجزيك ويثيبك ، وكفى به جازيا ومثيبا ، وأمّا الذي أنا عليه فمالي بالخراج بصر ، وما لي عليه قوة. قال فغضب حتى اختلج وجهه ، وكان في عينيه الحول (٢) قال : فنظر إليّ نظرا منكرا ثم قال : لتلين طائعا أو لتلين كارها؟ قال : فأمسكت عن الكلام حتى رأيت غضبه قد انكسر ، وسورته قد طغيت فقلت : يا أمير المؤمنين أتكلم؟ قال : نعم ، قلت : إن الله سبحانه وبحمده قال في كتابه : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) الآية (٣). فو الله يا أمير المؤمنين ما غضب عليهن إذ أبين ، ولا أكرههن إذ كرهن ، وما أنا بحقيق أن تغضب عليّ إذ أبيت ، ولا تكرهني إذ كرهت. قال : فضحك حتى بدت نواجذه. ثم قال : يا إبراهيم قد أبيت إلّا فقها ، قد رضينا عنك وأعفيناك.
أخبرنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز المكي ـ بالمدينة ـ أنا الحسن بن عبد الرّحمن بن الحسن ، أنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن علي بن فراس ، أنا محمد بن إبراهيم بن عبد الله الديبلي ، نا دهثم (٤) بن الفضل (٥) بن خلف الرملي ، قال : سمعت ضمرة بن ربيعة يقول : ما رأيت لذة العيش إلّا في خصلتين : أكل الموز بالعسل في ظل صخرة بيت المقدس ، وحديث ابن أبي عبلة فلم أر أفصح منه.
كذا رواه لنا ، وإنما سمعه ابن فراس من عباس بن محمد بن قتيبة لا من الديبلي وقد رواه بعدي لغيري على الصواب.
أنبأنا أبو علي الحداد ثم حدثني أبو مسعود الأصبهاني عنه ، أنا أبو نعيم الحافظ (٦) ، نا سليمان بن أحمد الطبراني ، نا موسى بن عيسى بن المنذر ، نا أبي ، نا
__________________
(١) عن الحلية والسير ، وبالأصل «أخلط».
(٢) كذا بالأصل والسير ، وفي الحلية : «قبل».
(٣) سورة الأحزاب ، الآية : ٧٢.
(٤) في سير أعلام النبلاء : دهيم.
(٥) في تهذيب التهذيب : المفضل.
(٦) حلية الأولياء ٥ / ٢٤٥.