أخبرنا أبو القاسم الشّحّامي ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني جعفر بن محمّد ، حدّثني إبراهيم بن نصر ، حدّثني إبراهيم بن بشار ، قال (١) : كنت يوما من الأيّام مارا مع إبراهيم بن أدهم في صحراء إذ أتينا على قبر مسنّم فترحم عليه (٢) فقلت : قبر من هذا؟ فقال : هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها ، كان غرقا (٣) في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها واستنقذه بعد.
[ولقد](٤) بلغني أنه سر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره وفتنته قال : ثم نام في مجلسه ذلك مع من خصه من أهله قال : فرأى رجلا واقفا على رأسه ، بيده كتاب فناوله ففتحه فإذا فيه كتاب بالذهب مكتوب : لا يؤثرن فانيا على باق ، ولا تغترنّ بملكك وقدرتك وسلطانك وعبيدك وخدمك ولذاتك وشهواتك ، فإن الذي أنت فيه جسيم لو لا أنه غريم (٥) ، وهو ملك لو لا أن بعده هلك ، وهو فرح وسرور لو لا أنه لهو وسرور (٦) ، وهو يوم لو كان يوثق له بعد ، فسارعوا إلى أمر الله ، فإن الله قال : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(٧) قال : فانتبه فزعا وقال : هذا تنبيه من الله وموعظة. فخرج من ملكه وقصد هذا الجبل فتعبّد فيه حتى تاب رحمهالله (٨).
قال : وسمعت إبراهيم بن أدهم رحمهالله يقول : إخوتي ، عليكم بالمبادرة والجدّ والاجتهاد وسارعوا وسابقوا فإن نعلا فقدت أختها سريعة اللحاق بها (٩).
قال : وسمعت إبراهيم بن أدهم يقول : اذكر ما أنت صائر إليه حقّ ذكره وتفكّره فيما مضى من عمرك ، هل تثق به وترجو به النجاة من عذاب ربّك ، فإنك إذا كنت كذلك
__________________
(١) حلية الأولياء ٨ / ٣٣.
(٢) زيد في الحلية : وبكى.
(٣) إعجامها غير واضح بالأصل والمثبت عن الحلية.
(٤) زيادة عن الحلية.
(٥) الحلية : عديم.
(٦) الحلية : وغرور.
(٧) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٣.
(٨) زيد في الحلية ٨ / ٣٣ بعدها : فلما بلغني قصته وحدّثت بأمره قصدته فسألته فحدثني بيده أمره ، وحدثته بأمري ، فما زلت أقصده حتى مات ودفن هاهنا ، فهذا قبره رحمهالله.
(٩) تقدم الخبر.