حامضة فقال : ناطور أنت مذ كذا وكذا في بستاننا (١) تأكل من فاكهتنا ورماننا ما تعرف الحلو من الحامض؟ قلت : والله ما أكلت من فاكهتكم شيئا ، ولا أعرف الحلو من الحامض قال : فغمز الخادم أصحابه وقال : ما تعجبون من كلام هذا ، وقال لي : تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم زدت على هذا ، فلما كان من الغد حدّث الناس في المسجد بالصفة ، وما كان فجاء الناس عنقا (٢) إلى البستان ، فلما رأيت كثرة الناس اختفيت ؛ الناس داخلون وأنا هارب منهم ، فهذا ما كان أوائل أمري.
أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن بيان الرزاز (٣) ـ في كتابه ـ ثم حدّثنا أبو بكر يحيى بن إبراهيم بن أحمد السّلماسي عنه ، أنا أبو القاسم عبد الملك بن محمّد بن بشران ، أنا أبو بكر محمّد بن الحسين الآجري ، نا أبو الفضل العباس بن الفضل الشّكلي (٤) ، حدّثني إبراهيم بن زياد المقرئ ـ بغدادي ـ نا عبد الله بن الفرج ـ وقد ذكر إبراهيم بن أدهم يوما فقال عبد الله بن الفرج ـ :
حدّثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان قال : كنت يوما في مجلس لي له منظرة إلى الطريق ، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار ، وكان يوما (٥) حارا فجلس في فيء القصر ليستريح ، فقلت للخادم : اخرج إلى هذا الشيخ فأقره مني السّلام ، وسله أن تدخله إلينا فقد أخذ بمجامع قلبي ؛ فخرج إليه فقام معه فدخل عليّ فسلم فرددت عليهالسلام ، واستبشرت بدخوله وأجلسته إلى جانبي ، وعرضت عليه الطعام ، فأبى أن يأكل ، فقلت له : من أين أقبلت؟ فقال : من وراء النهر ؛ فقلت : أين تريد؟ فقال : أريد الحج إن شاء الله ـ قال : وكان ذلك أوّل يوم من العشر أو الثاني ـ فقلت : في هذا الوقت؟ فقال : بل يفعل الله ما يشاء ، فقلت : فالصحبة ، فقال : إن أحببت ذلك حتى إذا كان الليل ، قال لي : قم ، فلبست ما يصلح للسّفر ، وأخذ بيدي ، وخرجنا من بلخ ، فمررنا بقرية لنا ، فلقيني رجل من الفلاحين ، فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه ، فقدم إلينا خبزا وبيضا وسألنا
__________________
(١) عن الحلية والمختصر وفي الأصل «ناطورنا».
(٢) عنقا : جماعات.
(٣) رسمها غير واضح بالأصل ، والصواب ما أثبت ، انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٩ / ٢٥٧.
(٤) ضبطت عن الأنساب ، وهذه النسبة إلى شكل ، وذكره باسم أبي الفضل العباس بن يوسف الشكلي.
(٥) بالأصل : «يوم حار» والصواب عن المختصر.