لما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلم من عند ربه مشتملا على الهدى
والشرائع التي وجهتهم في حياتهم الاجتماعية ونظم المعيشة وجهة جديدة تكون بها
سعادتهم في معاشهم ومعادهم وغيّرت الطريق التي ورثوها عن الآباء والأجداد ـ ما هذا
إلا سحر بيّن لا خفاء فيه عندنا ، وقد أعمى أبصارنا وأضل أحلامنا فلم نستطع أن
ندفعه بكل سبيل ، ولا يزال يلج القلوب ويقتحمها ويداخل النفوس ويستحوذ عليها ،
ونحن في حيرة من أمره لا نجد طريقا للتغلب عليه بالوسائل التي نعرفها وهى بين
أيدينا.
والخلاصة ـ إنهم
نفوا أن يكون وحيا من عند ربه وجعلوه إما كلاما مفترى جاء به لترويج دعوته ، وإما
سحرا فعله ليخلب به العقول ويصد الناس عن الدين الحق الذي ورثوه عن الآباء
والأجداد.
فرد الله
سبحانه عليهم منكرا دعواهم أن دينهم هو الدين الحق بقوله :
(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ
كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أي إن الدين الصحيح إنما يأتى بوحي من عند الله وبكتاب
ينزل على الرسول ليبلغه للناس ويبين لهم فيه ما جاء به من الشرائع والآداب
والفضائل التي تكون بها سعادتهم في دنياهم وآخرتهم ، وهم أمة أميّة لم يأتهم كتاب
قبل القرآن ، ولم يبعث إليهم رسول قبل محمد ، فمن أين أتاهم أن الدين الحق هو الذي
يرشد إلى صحة الإشراك بالله ، وينفى توحيد الخالق حتى يكون لهم معذرة فيما يدّعون
، وحجة على صحة ما يعتقدون؟.
ولا يخفى ما في
هذا من التهكم بهم والتجهيل لهم : ونحو الآية قوله : «أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ
يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ» وقوله : «أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ
بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ».
وبعد أن بشر
وأنذر وأبان بالحجة والبرهان ما كان فيه المقنع لهم لو كانوا يعقلون ، سلك بهم
سبيل التهديد والوعيد وضرب لهم المثل بالأمم التي كانت قبلهم وسلكت سبيلهم ولم
تجدها الآيات والنذر ، فحل بها بأس الله وأتاها العذاب من حيث لا تحتسب فقال :