(ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) إذا ما جاء به من ذلك الأمر العظيم الذي فيه سعادة البشر فى دنياهم وآخرتهم لا يتصدى لادّعائه إلا أحد رجلين : إما مجنون لا يبالى بافتضاحه حين مطالبته بالبرهان وظهور عجزه ، وإما نبى مؤيد من عند الله بالمعجزات الدالة على صدقه.
وإنكم قد علمتم أن محمدا أرجح الناس عقلا ، وأصدق الناس قولا ، وأزكاهم نفسا ، وأجمعهم للكمال النفسي والعقلي ؛ فوجب عليكم أن تصدقوه في دعوته ، وقد قرنها بالمعجزات الدالة على ذلك.
وفي التعبير بصاحبكم إيماء إلى أنه معروف لهم مشهور لديهم ، فهو قد نشأ بين ظهرانيهم وعلموا ماله من صفات الفضل والنّبل وكرم الخلال مما لم يتهيأ لأحد من أترابه ولداته.
وإذ قد استبان بالدليل أنه ليس بالمجنون في كل ما يقول ويدعى ، اتضح أنه صادق كما قال :
(إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) أي ما هذا الرسول بالكاذب ، بل هو نذير لكم بعقاب الله حين تقدمون عليه ، لكفركم به وعصيانكم أمره.
وإنما جعل إنذاره بين يدى العذاب ، لأن محمدا مبعوث قرب الساعة كما جاء فى الحديث «بعثت أنا والساعة جميعا إن كادت لتسبقنى».
وروى البخاري عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : «صعد النبي صلّى الله عليه وسلم الصفا ذات يوم فقال : يا صباحاه ، فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : ما لك؟ فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسّيكم أما كنتم تصدقونى؟ قالوا بلى ، قال صلّى الله عليه وسلم : فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد. فقال أبو لهب : تبّا لك. ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله عز وجل «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ».
ولما نفى عن رسوله الجنون وأثبت له النبوة ـ ذكر وجها آخر يؤكد ذلك فقال :