لا تجزى نفس عن نفس شيئا ، ولا تستطيع دفع ضر عنها ولو كانت ذات قرابة منها ، ثم أرشد إلى أن البشارة والإنذار إنما تجدى نفعا لدى من يخشى الله ويخاف عقابه ، وأن من يتزكى فنفع ذلك عائد إليه ، وإلى الله عاقبة الأمور كلها ومردّها إليه.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي أنتم أيها العباد أولو الحاجة والفقر إلى خالقكم ورازقكم ، فإياه فاعبدوا ، وإلى رضاه فسارعوا ، وهو الغنى عن عبادتكم وعن غيرها ، وهو المحمود على نعمه ، فكل نعمة بكم وبسواكم فهى منه ، فله الحمد والشكر على كل حال.
والخلاصة ـ أنتم في حاجة إليه وهو ذو الغنى وحده لا شريك له ، والمحمود فى جميع ما يقول ويفعل ويشرع لكم ولغيركم من الأحكام.
ثم أرشد إلى غناه وإلى قدرته الكاملة بقوله :
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) أي إن يشأ ربكم أن يهلككم أهلككم ، لأنه هو الذي أنشأكم من غير حاجة به إليكم ، ويأت بخلق سواكم يطيعونه ويأتمرون بأمره وينتهون عما نهاهم عنه ، وما ذلك بصعب على الله الخالق لجميع عباده ، بل هو يسير هيّن عليه.
وليس بخاف ما في هذا من تهديد ووعيد ، وزجر وتأنيب.
ثم أخبر عن أحوال يوم القيامة وأهوالها وشدائدها بقوله :
(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى ، بل تحمل كل نفس وزرها فحسّب ، ولا تنافى بين هذا وما جاء في سورة العنكبوت من قوله سبحانه : «وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ» فإن هذا في الضالين المضلين وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم ، وكل ذلك آثامهم لا آثام غيرهم.