(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أي إنه زيّن لهم سوء أعمالهم ، وأعجبوا بأنفسهم ، واستكبروا عن اتباع الرسول ، وشمخوا بأنوفهم ، ولم يخضعوا لما جاءهم به ، وصدّوا أبواب النظر عما ينفعهم ، ولم يقبلوا شيئا سوى ما هم عليه ؛ فما مثلهم إلا مثل من أحاط به سدّان من الأمام والخلف فحجباه عن النظر فهو لا يبصر شيئا.
والخلاصة ـ إنهم محبوسون في سجن الجهالة ، ممنوعون عن النظر في دلائل الأنفس ودلائل الكون ، محرومون عن التأمل فيما حل بمن قبلهم من الأمم الخالية ، والتفكر في العواقب المستقبلة.
ثم ذكر فذلكة لما تقدم فقال :
(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي وسواء على هؤلاء الذين حق عليهم القول ، إنذارك إياهم وتركه ، فإنه قد طبع الله على قلوبهم فهم لا يؤمنون ، إذ قد خبثت نفوسهم ، وساء استعدادهم ، وغشّيت أبصارهم فلا تقدر على النظر في الدلائل المشاهدة ، ولا تستطيع التأمل في جمال الكون.
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد |
|
وينكر الفمّ طعم الماء من سقم |
ثم أعقب ذلك بيان من يتأثر بالإنذار فقال :
(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي إنما ينفع إنذارك من آمن بالقرآن ، واتبع ما فيه من الأحكام ، وخشى عقاب الله قبل حلوله ومعاينة أهواله ، فإنه سبحانه عظيم الرحمة ، أليم العذاب كما قال : «نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ».
فبشّر هذا الذي اتبع أحكام الدين ، وخاف العقاب بمغفرة ما فرط منه من الزلات ، وأجر كريم ، ونعيم مقيم ، لا يستطاع وصفه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.