وكان قد تزوجها في شرخ شبابه ، إذ كانت سنه وقتئذ خمسا وعشرين سنة وكانت سنها أربعين وعاشا معا عيشا هنيا شعاره الإخلاص والوفاء ، وكانت من أكبر أنصاره على الكفار الذين سخروا منه وألحقوا به ضروبا شتى من الأذى ، ولم يشأ أن يتزوج غيرها مع ما كان يبيحه له عرف قومه ، بل ظل وفيّا لها حتى توفّيت ، فحزن عليها حزنا شديدا وسمى عام وفاتها عام الحزن ، ولم ينقطع عن ذكراها طوال حياته.
والآن حق علينا أن نذكر لك الأسباب التي حدت النبي صلّى الله عليه وسلم إلى التعدد ، وهى قسمان : أسباب عامة وأسباب خاصة :
الأسباب العامة
(١) إن رسالة النبي صلّى الله عليه وسلم عامة للرجال والنساء ، ومن التشريع ما هو مشترك بين الرجل والمرأة وما هو خاص بأحدهما ، وكلّ يحتاج في تلقينه إلى عدد ليس بالقليل لتفرق المرسل إليهم وكثرهم وقصر زمن حياة الرسول ، وكثرة الأحكام ، وإلا لم يحصل التبليغ على الوجه الأتم.
ومن الأحكام المتعلقة بالنساء ما تستحيى المرأة أن تعرفه من الرجل ، ويستحيى الرجل من تبليغه للمرأة ، ألا ترى إلى ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت للنبى صلّى الله عليه وسلم : كيف أغتسل من الحيض؟ قال : خذى فرصة ممسّكة (قطعة قطن) فتوضئ ـ قالها ثلاثا وهو في كل ذلك يقول : سبحان الله عند إعادتها السؤال ، ثم أعرض عنها بوجهه استحياء ، فأخذتها عائشة وأخبرتها بما يريد النبي صلّى الله عليه وسلم.
ومن ثم وجب أن يتلقى الأحكام الخاصة بالنساء من الرسول صلّى الله عليه وسلم عدد كثير منهن ، وهن يبلغن ذلك إلى النساء ، ولا يصلح للتلقى عنه إلا أزواجه ، لأنهن لهن خصائص تمكنهن من معرفة أغراض النبي دون تأفف ولا استحياء ،