علل آنس ما كان بصحّته (١) ، ففزع إلى ما كان عوّده الأطبّاء من تسكين الحارّ بالقارّ (٢) وتحريك البارد بالحارّ ، فلم يطفىء ببارد إلاّ ثوّر حرارة ، ولا حرّك بحارّ إلاّ هيّج برودة ، ولا اعتدل بممازج لتلك الطّبائع إلاّ أمدّ منها كلّ ذات داء (٣) ، حتّى فتر معلّله (٤) ، وذهل ممرّضه ، وتعايا أهله بصفة دائه (٥) وخرسوا عن جواب السّائلين عنه ، وتنازعوا دونه شجىّ خبر يكتمونه : فقائل هو لما به (٦) وممنّ لهم إياب عافيته ، ومصبّر لهم على فقده ، يذكّرهم أسى الماضين من قبله (٧) فبينما هو كذلك على جناح من فراق الدّنيا ، وترك الأحبّة ، إذ عرض له عارض من غصصه فتحيّرت نوافذ فطنته (٨) ، ويبست
__________________
(١) آنس : حال من ضمير «فيه» ، والفترات : جمع فترة ، وهى انحطاط القوة ، أى : تولد فيه الضعف بسبب العلل حال كونه أشد أنسا بصحته من جميع الأوقات السابقة
(٢) القار : هنا البارد
(٣) أى : ما طلب تعديل مزاجه بدواء يمازج ما فيه من الطبائع ليعد لها إلا وساعد كل طبيعة تولد الداء
(٤) معلل المريض : من يسليه عن مرضه بترجية الشفاء ، كما أن ممرضه من يتولى خدمته فى مرضه لمرضه
(٥) «تعايا أهله» أى : اشتركوا فى العجز عن وصف دائه ، واختلف الحاضرون بين يدى المريض فى الخبر المحزن : يكتمونه عنه.
(٦) «هو لما به» أى : هو مملوك لعلته فهو هالك ، والممنى : مخيل الأمنية ، والاياب : الرجوع
(٧) أسى : جمع أسوة
(٨) نوافذ الفطنة : ما كان من أفكار نافذة ، أى : مصيبة للحقيقة