وأصناف أسناخها وأجناسها (١) ومتبلّدة أممها وأكياسها ، على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها ، ولا عرفت كيف السّبيل إلى إيجادها ، ولتحيّرت عقولها فى علم ذلك وتاهت ، وعجزت قواها وتناهت ، ورجعت خاسئة حسيرة (٢) عارفة بأنّها مقهورة ، مقرّة بالعجز عن إنشائها ، مذعنة بالضّعف عن إفنائها.
وإنّ اللّه ـ سبحانه ـ يعود بعد فناء الدّنيا وحده لا شىء معه : كما كان قبل ابتدائها ، كذلك يكون بعد فنائها ، بلا وقت ولا مكان ، ولا حين ولا زمان ، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات [وزالت] والسّنون والسّاعات ، فلا شىء إلاّ الواحد القهّار الّذى إليه مصير جميع الأمور. بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع منها كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع دام بقاؤها.
لم يتكاءده صنع شىء منها إذ صنعه (٣) ، ولم يؤده منها خلق ما خلقه وبرأه ، ولم يكوّنها لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ونقصان ، ولا للاستعانة
__________________
(١) الأسناخ : الأصول ، واحدها سنخ ـ بكسر السين وسكون النون ـ والمراد منها الأنواع ، أى : الأصناف الداخلة فى أنواعها. «والمتبلدة» أى : الغبية ، والأكياس : جمع كيس ـ بالتشديد ـ وهو العاقل الحاذق
(٢) الخاسىء : الذليل ، والحسير : الكال المعيى
(٣) لم يتكاءده : لم يشق عليه ، ولم يؤده : لم يثقله. وبرأه : مرادف لخلقه