للاشخاص او للاشياء باعتبار ماهو حاصل في الحال فيقرر الخطيب فضيلته أو نفعه في المدح او يقرر ضدهما في الذم. وانما سميت (منافرات) فلان بها يتنافر الناس ويختلفون وبروم بعضهم قهر بعض بقوله وبيانه.
ومن هذه الناحية تشبه الخطابة الجدل وانما الفرق من وجهين :
١ ـ انه في الخطاية ينفرد الخطيب في ميدانه وفي الجدل يکون الکلام للخصمين سؤالا وجوابا وردا وبدلا.
٢ ـ ان غرض الخطيب أن يبعث المستمعين على عمل الافعال الحسنة والتنفر من الافعال السيئة لا لمجرد المدح والذم والمجادل ليس غرضه الا التغلب على خصمه وليس همه ان يعمل به أحد أولا يعمل. وبالاختصار غرض الخطيب اقناع الغير بفضل الفاضل ونقص المفضول ليعمل على مقتضي ذلک وغرض المجادل ارغام الغير على الاعتراف بذلک.
وبين الاسلوبين بون بعيد فان الاول يتطلب الرفق واللين والاستحواذ على مشاعر المخاطب ورضاه والثاني لا يتطلب ذلک فان غرضه يتم حتي لو اعترف الخصم مرغما مقهورا.
اذا عرفت ذلک فعلي الخطيب في المنافرات ان يکون مطلعا على أنواع جمال الاشياء وقبحها. ولکل شيء جمال وقبح بحسبه : ففي الانسان جماله بالفضائل وقبحه بالرذائل وباقي الاشياء جمالها بکمال صفاتها اللائقة بها وقبحها بنقصها.
ثم الانسان مثلا فضيلته ان تکون له ملکة تقتضي فعل الخيرات بسهولة کفضيلة الحکمة والعلم والعدالة والاحسان والشجاعة والعفة والکرم والمروة والهمة والحلم واصالة الرأي. وهذه أصول الفضائل ويتبعها مما يدخل تحتها کالايثار الذي يدخل تحت نوع الکرم أو مما يکون سببا لها کالحياء الذي يکون سببا للعفة أو مما يکون علامة عليها کصبر الامين على تحمل المکارة في سبيل المحافظة على الامانة فان هذا الصبر علامة على العدالة.