فعله يزيد بن معايوة بن أبي سفيان بعترة رسول الله واستحلاله المدينة المنورة لثلاثة أيّام وضربه مكّة وغير ذلك كان كلّ واحد منها كافياً لإحداث هذا التحول الفكري لدى عامّة الناس.
نعم ، هاجت عواطف الشيعة وغيرهم بمقتل الإمام الحسين ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام عليه السلام ، وقد كانت حصيلة هذا الهياج الجماهيري هو نشوء حركة شيعية باسم حركة التوّابين (٦١ ـ ٦٤ هـ) (١) ثمّ تلتها حركة المختار ابن أبي عبيد الثقفي «٦٤ ـ ٦٧ هـ» ثمّ قيام زيد بن علي «١٢٢ هـ» بالعراق ، وابنه يحيى «١٢٥ هـ» بخراسان ، وعبد الله بن معاوية (٢) بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الذي قاد حركته في سنة «١٢٨ هـ» في إصفهان.
فالامويون والعباسيّون في حدود المسألة التشريعيّة لا يمكنهم الوقوف أمام تأذين عليّ بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق بـ«حيّ على خير العمل» ، لوجود أمثال عبد الله بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهما ممن أذّن بها.
على أنّه يمكن حمل سكوت الأمويين هذا على أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سياسياً ، وهو التعرّف على الطالبيين وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً في كتابنا (وضوء النبيّ) أنّ الطالبيين هم المعارضون الحقيقيون للحكومتين الأموية والعباسية.
__________________
(١) وصف الطبري في تاريخه ٥ : ٥٨٨ هذه الحركة بقوله «فلم يزل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين ، فكان يجيبهم القوم بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى مات يزيد بن معاوية» عام ٦٤ هـ ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته في حين كان ضمن مخططهم الثورة على يزيد وعلى النظام الحاكم عام ٦٥ هـ ، فلم يفلحوا في ذلك.
(٢) زوجته عُليّه بنت علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام وهي أخت الإمام الباقر عليه السلام.