نعم ، هاجت عواطف الشيعة وغيرهم بمقتل الإمام الحسين ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام عليهالسلام ، وقد كانت حصيلة هذا الهياج الجماهيري هو نشوء حركة شيعية باسم حركة التوّابين (٦١ ـ ٦٤ هـ) (١) ثمّ تلتها حركة المختار ابن أبي عبيد الثقفي «٦٤ ـ ٦٧ هـ» ثمّ قيام زيد بن عليّ «١٢٢ هـ» بالعراق ، وابنه يحيى «١٢٥ هـ» بخراسان ، وعبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الذي قاد حركته في سنة «١٢٨ هـ» في إصفهان.
فالامويون والعباسيّون في حدود المسألة التشريعيّة لا يمكنهم الوقوف أمام تأذين عليّ بن الحسين ومحمّد الباقر وجعفر الصادق بـ «حيّ على خير العمل» ، لوجود أمثال عبدالله بن عمر وأبي أمامة بن سهل بن حنيف وغيرهما ممن أذّن بها.
على أنّه يمكن حمل سكوت الأمويين هذا على أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سياسياً ، وهو التعرّف على الطالبيين وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً في كتابنا (وضوء النبيّ) أنّ الطالبيين هم المعارضون الحقيقيون للحكومتين الأموية والعباسية.
واستقراراً على هدفهم هذا سعوا أن يجمعوا الأمة على فقه يخالف فقه الإمام عليّ بن أبي طالب ؛ الذي فيه الجهر بالبسملة ، والجمع بين الصلاتين ، وعدم مسح الخفّين ، والمسح على الارجل ، والتكبير على الميت خمساً ، وغيرها من الأمور الشرعية ذات البُعد الشعاري التي استخدمها النهج الحاكم للتعرف على جماعات
__________________
(١) وصف الطبري في تاريخه ٥ : ٥٥٨ هذه الحركة بقوله «فلم يَزَل القوم في جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين ، فكان يجيبهم القومُ بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم يزالوا كذلك وفي ذلك حتّى مات يزيد بن معاوية» عام ٦٤ هـ ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته في حين كان ضمن مخططهم الثورة على يز يد وعلى النظام الحاكم عام ٦٥ هـ ، فلم يفلحوا في ذلك.