نعم ، كان بلال يؤذِّن بها في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد أذّن مرّة أو مرّتين للزهراء والحسنين في زمن أبي بكر ولم يُتمّ أذانه. ويظهر من جمع الأدلة المارّة وما قلناه أنّه كان يؤذن بـ «حيّ على خير العمل» ، ولذلك امتنع عن الأذان في زمن الشيخين أبي بكر وعمر ؛ إذ جاء في الخطط للمقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) وغيره : (... وأنَّ عمر أراده أن يؤذِّن له فأبى عليه) (١) لماذا؟!
إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ذكره المقريزيّ في باب (ذكر الأذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف) وربطنا ذلك بما توصّلنا إليه من السير التاريخيّ لمسألة الأذان فيما يخصّ المسألة المبحوثة وشعاريّتها ، وما أُثير حولها من محاولات عامدة للحؤول دون ترسيخها في قلوب المسلمين ، وجمعنا ذلك مع ما بحوزتنا من رواياتنا ورواياتهم فسنحصل على ثمرة يانعة تشفي غليل المتطّلع الى الحقيقة ، وعلى نتيجة جليّة لا غبار عليها ، ويستبين عندئذ أنّها لا تتعدَّى كونها في أصلها شعيرة إلهيّة وشعاراً إسلاميّاً أصيلاً يحمل وراءه نهجاً إسلامياً فكرياً يتبع «الرمز» القدوة الحسنة الذي دعا القرآن الكريم إلى الاقتداء به ، ويرمي بعيداً كلّ ما يمتّ بِصلة إلى الاجتهاد بالرأي والاستحسان المقابل لمنهجيّة التعبّد المحض ؛ ذلك أن «حيّ على خير العمل» سنّة نبويّة ، أمّا «الصلاة خير من النوم» فهي دعوة مُستحدَثة لا تمثل جانباً من رؤية الإسلام.
ولدى مرورنا بالنصوص والأحداث سنوضح ـ وفق منهجنا ـ ملابسات المسألة خلال الصراع الأموي العلوي ثمّ الصراع العباسي العلوي ، والسلجوقي البويهي ، والأيوبي الفاطمي ، وكيفية نشوء الحركات الشيعية في الأمصار ، وذلك فيه
__________________
(١) الخطط المقريزية ٢ : ٢٧٠. وانظر الفصل الثاني من هذا الباب «حذف الحيعلة ، وامتناع بلال عن التأذين».