الكوفة ، حين كان ركبهُ في منطقة تُسمَّى (زَرود) (١) ولم يُفكِّر بالرجوع يومئذٍ ، بلْ استمرَّ في المسير ، وهذا معناه أنَّه استمرَّ بالمسير رغم سقوط تكليفه الشرعي المُشار إليه في هذا الهدف ؛ وذلك مِن أجل هدفٍ آخر أعمق وأهمّ منه ، ولم يكن قد التقى بالحُرِّ الرياحي (٢) يومئذٍ ، وإنَّما التقى به بعد ذلك في منطقة تُسمَّى (شَراف) (٣) ، وعندئذٍ عَرض عليه العودة إلى المدينة المنوّرة ، آنذاك كان أهل الكوفة قد بدّلوا رأيهم به وأعرَضوا عنه ، فَمنعهُ الحرّ الرياحي عن الرجوع ، وذَكرَ لهُ أنّه مأمور بمصاحبتهِ حتّى يُدخله على عُبيد الله بن زياد في الكوفة (٤).
إذاً ، فهناك فترة زمنيّة كافية لم يُحدِّد التاريخ مقدارها ، لعلّها أسبوع أو أكثر أو أقل ، كان يمكن للإمام الحسين عليهالسلام أن يعود بركبهِ إلى المدينة ، وعندئذٍ لم يكن يلتقي بالحرّ ولا يُجعجع به ؛ وإنّما كان سلام الله عليه طالباً للشهادة على كلّ حال.
__________________
(١) زرود في المعجم : ممّا استُعجِم ج ٢ ، ص ٦٩٦ بفتح أوّلهِ وبالدال المُهملة في أخره ، ومُعجم البلدان : ج ٤ ، ص ٣٢٧ وهي : رمالٌ بين الثعلبيّة والخزيميّة بطريق الحاجّ من الكوفة وهي دون الخزيميّة بمِيل ، وفيها بُركة وحوض وفيها وقعة يُقال لها : (يوم زرود).
(٢) الحرّ بن يزيد بن ناجية بن تعلب بن عتاب بن هرمي بن رياح بن بربوع بن حنظلة التميمي ....... من الشخصيّات الاجتماعيّة البارزة في الكوفة ، وأحد قوّاد الجيش الأموي الخارج لحرب الحسين عليهالسلام ، وكان يقومُ فيه ربع تميم وهندان كما يقول الطبري وغيره.
وقد ذَكرَ الخوارزمي في مقتله أنّه لحقَ بالحسين عليهالسلام مع غلامه التُركي ، ولعلّ اسمهُ (عروة) على ما نصّ عليه بعض المقاتل ، كمقتل الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء ، ففيه إضافة إلى ذلك استشهاد وَلَد الحرّ (علي) وأخيه (مصعب) كل هؤلاء لثلاثة بني يدي الحر.
وفي اللهوف والخوارزمي : أنّ قصة توبة الحرّ كانت بعد الحَملة الأولى من أصحاب الحسين عليهالسلام التي قُتل فيها زهاء خمسين رجلاً (واقعةُ الطف لآل بحر العلوم : ص ٥٠٨).
(٣) شَراف : في معجم البلدان بفتح أوّله وآخره فاء ثانية محققة ، سُمّي باسم رجلٍ يقال له شَرَاف ، استخرجَ عيناً حَدثت آباراً كبار كثيرة ماؤها عذب من شَرَاف إلى واقعة ميلان.
(٤) مقتلُ الخوارزمي : ج ١ ، ص ٢٣٣ ، الفتوح لابن أعثم : ج ٥ ، ص ١٣٨ ، أسرار الشهادة : ص ٢٣٢.