هذا مُضافاً إلى واقعة الحَرَّة ، بقيادة مسلم بن عقبة ، الذي أباح المدينة المنوَّرة ثلاثة أيَّام كاملة ، قتلاً ونهباً وسلباً واعتداءً على الأموال والنساء والأطفال ، بشكل لم يسبق له مَثيلاً (١).
__________________
(١) نفس المصدر ج ١ ص ١٧٩
ويحسن أنْ نُشير إلى خلافة يزيد ، وما أرتكب فيها مِن جرائيم ، حيث بدأت خلافة يزيد بن مُعاوية في أواخر سنة ٦١ هـ وانتهت بوفاته في النصف الأوَّل مِن سنة ٦٤ هـ ، وبذلك تكون مُدَّة حكمه ثلاث سنوات تقريباً ، ارتكب فيها أبشع وأقبح جرائم في التاريخ البشري بشكل عامٍّ والإسلامي بشكل خاصٍّ ، ففي السنة الأُولى قَتل سبط الرسول وسيِّد شباب أهل الجنَّة ، وسبى نساءه وقتل عياله وشرَّدهم وروَّعهم ومثَّل بالأجساد الطاهرة ، فأبان الرؤوس عن الأجساد ، فحُملت فوق الرماح يُطاف بها مِن بلد إلى بلد ، وبذلك صنع مع آل الرسول مالا يُصنع مع الترك أو اليهود أن القوم الكافرين. وفي السنة الثانية أقدم على جريمة بشعة لم يُروَ لها مثيل في التاريخ ، وهي واقعة الحَرَّة ، وسُمِّيت بهذا الاسم نسبة إلى منطقة الحَرَّة ، والتي هي قُرب المدينة المنوَّرة ؛ وذلك أنَّه لما أنكر أهل المدينة أفعال يزيد وموبقاته ، وكيفيَّة قتل الحسين وأهل بيته وأسر نساءه ، وفعله للمُحرَّمات حتَّى وصل به الحال إلى الزنى بالمحارم ، فيقول ابن سعد في الطبقات الكُبرى وابن الأثير في الكامل : إنَّ عبد الله بن حنظلة ـ غسيل الملائكة ـ خطب في أهل المدينة خُطبة قال فيها : (فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتَّى خفنا أنْ نُرمى بالحجارة مِن السماء. إنَّ رجلاً ينكح الأُمَّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة. والله ، لو لم يكن معي أحد مِن الناس لأبليت لله فيه بلاء حسناً). فغضب يزيد مِن ذلك ؛ فأرسل جيشاً مؤلَّفاً مِن ثلاثين ألفاً مِن أهل الشام ، وعليهم مسلم بن عقبة ، وقد قال له : السيف السيف ، أجهز على جريحهم ، وأقبل على مُدبرهم ، وإيَّاك أنْ تُبقي عليهم. فيقع ثلاثون ألفاً مِن أهل الشام ـ مُدجَّجون بالأسحلة الكاملة ـ في أهل المدينة قتلاً وذبحاً ثلاثة أيَّام. وخطب مسلم بن عقبة قائلاً : هذه المدينة لكم مُباحة ثلاثة أيَّام دمائها ونسائها وأموالها. وذكر المُؤرِّخون أنَّه بلغ عدد قتلى الحَرَّة يومئذ ـ مِن قريش والأنصار والمُهاجرين وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ ألفاً وسبعمئة ، ومِن سائر الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان ، وقد نقل المؤرِّخون صور مُروِّعة عن هذه الفاجعة ، فمثلاً ما نُقل عن أبي معشر حين قال : إنَّ رجلاً مِن أهل الشام دخل على امرأة نُفساء مِن نساء الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها : هل مِن مال؟ قالت : لا والله ، ما تركوا لي شيئاً فقال : والله ، لتُخرجين إليَّ شيئاً أو لأقتلنَّك وصبيَّك هذا! فقالت : ويحك! إنَّه ولد ابن أبي كبش الأنصاري صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد بايعت يوم بيعة الشجرة على أنْ لا أزني ولا أسرق ولا أقتل ولدي ... فما أتيت شيئاً ، فاتَّق الله. ثمَّ قالت لابنها : يا بُني ـ والله ـ لو كان عندي شيء لافتديتك به. (قال :) فأخذ الشاميُّ برُجْل الصبيِّ والثديُ في فمه =