يسلكون سلوكاً مُغايراً لذلك تماماُ عملاً بالتقيَّة الواجبة ، التي يحسُّون بضرورتها التشريعيَّة والواقعيَّة (عليهم سلام الله) ، لا يُستثنى مِن ذلك إلاَّ واحد مُعيَّن منهم ، هو الإمام الحسين عليهالسلام في حركته العظيمة. فلماذا كان ذلك؟!
والأسباب المُتصوَّرة لذلك عِدَّة أُمور مُحتملة ، وإنْ لم تكن كلُّها صحيحة ، إلاَّ أنَّنا نذكر الأُمور التي قد تخطر على بال القارئ الاعتيادي أيضاً :
الأمر الأوَّل : إنَّ الأخبار الدالَّة على وجوب التقيَّة لم تكن صادرة في زمن الحسين عليهالسلام ؛ لأنَّها إنَّما صدرت عن الإمامين الصادقين عليهمالسلام ، وهما عاشا بعد واقعة كربلاء بحوالي قرن مِن الزمن ، وإذا لم تكن هذه الأخبار موجودة ، فلا دليل على وجوب التقيَّة يوم حركة الحسين عليهالسلام ؛ ومِن هنا لم يعمل بها.
إلاَّ أنَّ هذا الوجه غير صحيح لأكثر مِن جواب واحد :
أوَّلاً : إنَّ هذه الأخبار المُشار إليها تدلُّنا على حُكم واقعي ثابت في الشريعة ، يعلم به المعصومون جميعاً (سلام الله عليهم) بما فيهم الحسين عليهالسلام ؛ فإنَّهم ـ جميعاً ـ عالمون بجميع أحكام الشريعة المُقدَّسة.
ثانياً : إنَّ الآيات الكريمة دالَّة على ذلك أيضاً ، وقد كانت موجودة ومقروءة في زمن الحسين عليهالسلام.
الأمر الثاني : إنَّ الحسين عليهالسلام كسائر المعصومين عليهمالسلام ، عمل بالتقيَّة ردحاً طويلاً في حياته ، وإنَّما ترك العمل بها مِن ناحية واحدة فقط ، هي الناحية التي أدَّت إلى مقتله في واقعة الطَّفِّ ، وهي رفض الطلب الصادر مِن قِبَل الحاكم الأُموي بالبيعة له (١) وتهديده بكلِّ بلاء إذا لم يُبايع ، الأمر الذي استوجب صموده عليهالسلام ضِدَّ هذا المعنى حتَّى الموت.
__________________
(١) البحار للمجلسي ج ٤ ص ٣٢٦ مناقب ابن شهرآشوب ج ٢ ص ٢٠٨ اللهوف لابن طاووس ص ١١.