قوية في التضاد ، أو في الشعور المتضاد في ضرورة البقاء وضرورة الذهاب ، إلاّ أنّهم مع ذلك لم يفكّروا طرفة عينٍ في الذهاب ، بل أدركوا بكلّ وضوح ضرورة البقاء مع الحسين ونيل الشهادة بين يديه ، جزاهم الله خير جزاء المحسنين ، وبذلك صاروا أفضل الشهداء على الإطلاق (١).
__________________
(١) ويمكن الاستدلال على أنّ أصحاب الحسين عليهالسلام هم أفضل الشهداء ؛ وذلك على مستويين :
الأوّل : وهو قول الإمام الحسين عليهالسلام عندما خطبَ بأصحابه ، ومَن معهُ من آل هاشم ليلة العاشر من المحرّم حيث قال : «أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي جميعاً خيراً ...... إلخ) ، نقلهُ ابن طاووس في اللهوف ، والفتّال في روضة الواعظين ، والطبري في تاريخه ، وابن الأثير في الكامل ، والخوارزمي في مقتله ، والمفيد في الإرشاد ، وابن شهرآشوب في المناقب ، وغيرهم كثير».
وبهذا يكون قد صرّح الإمام عليهالسلام أنّ أصحابه أفضل الأصحاب فقوله : (..... لا أعلم ......) ينفي فيها عن وجود أصحاب أفضل من أصحابه قد وجِدوا قبل زمانه ، سواء كان قبل الإسلام أو بعد الإسلام ، ممّن صاحبَ جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله ، أو أباه أمير المؤمنين عليهالسلام ، أو أخاه الحسن عليهالسلام ، بل يتعدّى الأمر إلى ما بعد زمانه باعتبار أنّ الأئمّة عليهمالسلام ـ ومن ضمنهم الإمام الحسين عليهالسلام ـ يعلمون من جدّهم الرسول صلىاللهعليهوآله ما يحدث بعدهم إلى يوم القيامة.
الثاني : إنّا لو أخذنا أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله وبالخصوص البدريّون ـ باعتبار أنّه الصحابة الأوائل ، أو أفضل الصحابة بشهادة جميع المذاهب الإسلاميّة وفيهم يُضرب المثل ، وجَعلِهم القدوة لمَن أراد الجهاد في سبيل الله ، فترى الإمام عليهالسلام يخاطب أبا الفضل عليهالسلام عند زيارته : «وأشهدُ أنّك مضيتَ على ما مضى عليه البدريّون» ـ وقارنّا بينهم وبين أصحاب الحسين عليهالسلام ، لوجَدنا فروقاً كثيرة بين الفريقين وبالأخص ممّن قُتل بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله في بدر ، وبين يدي الحسين عليهالسلام في كربلاء ، فمن هذه الفروق وبما يَسمح به المقام :
١ ـ إنّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله البدريين حينما خَرجوا مع النبي صلىاللهعليهوآله إلى بدرٍ ، كان عنوان خروجهم الغنيمة ، وذلك بالاستيلاء على قوافل قريش ، ولكن عندما فاتهم أبو سفيان وجاء أبو جهل ومَن معه وأصرّ على محاربة الرسول صلىاللهعليهوآله ، عند ذلك وطّد الرسول نفسه ومَن معه للقتال ، فتغيّر العنوان من حرب اقتصادية إلى حرب عسكرية بينما أصحاب الحسين عليهالسلام فقد كانوا يعلمون منذ البداية أنّه لا يوجد غنيمة ؛ وإنّما ذهابهم إلى موتٍ لابدّ منه ، فالحسين أخبرهم بهذا منذ بداية خروجه ، فنراه مثلاً في إحدى خُطبه يقول : «وكأنّي بأوصالي هذه تُقطّعها عَسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء .... إلخ».