البشر خلال التاريخ البشري الطويل ، ومن هنا كان ردّ فعلها المأساوي أعظم وأجلّ من كلّ حادثةٍ أخرى في العالَم مُماثلة أو غير مُماثلة ، ومن هنا قال الشاعر عنها :
وفجائعُ الأيّام تبقى فنزة وتزول |
|
وهي إلى القيامة باقية (١) |
وكلا هذين الجانبين المشار إليهما ناجزان فعلاً في حادثة الحسين عليهالسلام ، ويحتوي كلّ منهما على نقطة قوّة ونقطة ضُعف ، ينبغي أن نلاحظهما لكي نعرف القيمة الحقيقيّة لكلّ منهما أوّلاً ، ولماذا اختيرَ الجانب الثاني المأساوي في هذا الصدد؟
ولكلٍّ نقطةٍ قوّة في أحدهما يُقابله نقطة ضعف في الجانب الآخر. فنقطةُ القوّة في الجانب الأوّل : هي كونه جانباً أُخرويّاً محضاً ، تُقابلهُ النقطة في الجانب الآخر ، وهو كونه جانباً دنيويّاً ؛ لوضوح أنّ البلاء الذي عاناه الحسين عليهالسلام ومَن معه ، بلاءٌ دنيوي خالص لا يشوبه بلاء أخروي إطلاقاً ، بل لهُ في الآخرة أعلى المقامات وأرفع الدرجات. ونقطةُ القوّة في الجانب الثاني : كونهُ سبباً لتربية المجتمع تربية صالحة ومؤكّدة أكثر من الجانب الأوّل بكثير ، ذلك المجتمع المُتربّي في حالته الاعتياديّة على العواطف الشخصيّة والأُسريّة والدنيويّة عموماً ، إذاً فمن المصلحة توجيه هذه العواطف إلى وجهة صالحة ومربّية ، فكما يبكي المؤمن على وَلده أو والديه ، فليبكِ على الحسين عليهالسلام وأصحابه ؛ لينال في الآخرة ثواباً ويُقيم للدين شعاراً. ومن هنا يكون توجيه البكاء والحزن للمؤمنين
__________________
(١) للشيخ عبد الحسين الأعسم بن الشيخ محمّد علي بن الحسين ، بن محمّد الأعسم الزبيدي النجفي ، ولِدَ في حدود سنة ١١٧٧ هـ ، وتوفي ١٢٤٧ هـ بالطاعون العام في النجف الأشرف عن عُمرٍ يُناهز السبعين ، ودُفن مع أبيه في مقبرة آل الأعسم ، وهذا البيت من قصيدة طويلة مطلعها :
قد أوهَنَت جلدي الديار الخالية |
|
من أهلها ما للديار وماليه |
(أدبُ الطف : ج ٦ ، ص ٢٨٧ ـ ٢٩٤).