وفي الجميع منع.
أمّا الأوّل : فلأنّ رفع الحدث في الطهارة المائيّة ليس مغيّاً بغاية أصلاً ، وإنّما المانع أعني الحدث الموجب للطهارة مرتفع بها وزائل بالكلّيّة حتى كأنّه لم يكن ، ثمّ لا يعود ذلك المانع بعينه إلى الوجود مرّة أُخرى ، بل الحاصل بالحدث الطارئ مانع آخر غير الأوّل ، غايته أنّه مبطل لفائدة الطهارة ؛ لأنّه من نواقضها ، ولا كذلك التيمّم ، فإنّ إزالته المانعَ ليست إزالةً كلّيّة ، بل إنّما رفع أثره إلى أمدٍ معيّن مضروب ، وهو إمّا طروء حدثٍ أو التمكّن من استعمال الماء ، فإذا وجد أحدهما ، عاد الأوّل بعينه حتّى كأنّه لم يزل ، ولهذا يجب الغسل على المتيمّم بدلاً منه عند التمكّن. ولو كان رافعاً ، لما وجب إلا بحدثٍ آخر موجب للغسل.
نعم ، ربما تمشّى ذلك على مذهب المرتضى القائل بأنّ مَنْ تيمّم بدلاً من غسل الجنابة ثمّ أحدث أصغر ووجد من الماء ما يكفيه للوضوء توضّأ به (١) ؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى ، فإنّ ذلك يشعر بكون التيمّم رافعاً. وسيأتي بيان ضعف هذا القول.
وأمّا الثاني : فلأنّ رفع المانع هو بعينه رفع الحدث ؛ إذ ليس المراد به نفس الخارج الناقض وإن كان قد يطلق عليه اسم الحدث ؛ لأنّ الحدث بهذا المعنى يستحيل رفعه ؛ لأنّه قد صار واقعاً ، ويمتنع رفع الواقع ، وإنّما المراد بالحدث أثر الخارج ، وهو المانع الحاصل بسببه.
والفرق بينه وبين الاستباحة أنّ المراد بالرفع إزالة أثر الواقع بالكلّيّة حتى كأنّه لم يكن ، والاستباحة رفع المنع منه ، أعني استعادة (٢) جواز فعل المشروط بالطهارة ، سواء زال المانع بالكلّيّة ولم يقارنه مانع آخر ، كطهارة المختار ، فإنّ الرفع والاستباحة بالنسبة إليه متلازمان ، أم لم يزل بالكلّيّة ، بل إلى أمد مضروب ، كما في التيمّم ، فإنّه لا يزيل أثر الواقع أصلاً ، ولهذا ينتقض بوجود الماء والتمكّن من استعماله ، مع الإجماع على كونه ليس بحدثٍ ، أم زال بعضه بالكلّيّة دون البعض ، كما في طهارة دائم الحدث ، فإنّ المانع الحاصل في الحال يزول بعضه ، وهو أثر الحدث السابق.
وأمّا الثالث : فهو مبنيّ على اتّحاد حكم المتيمّم ودائم الحدث ، وقد عرفت ما بينهما من الفرق ، فإنّ لدائم الحدث حدثاً سابقاً ومقارناً ، وطهارته مائيّة صالحة لرفع الحدث حيث
__________________
(١) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ١ : ٣٩٥ نقلاً عن شرح الرسالة له.
(٢) كذا ، والظاهر من نسختي «ق ، م» : «استفادة».