اللهمّ إلا أن يدّعى الإجماع على خلافه بناءً على عدم العلم بموافقٍ له ، وكونه معلوم النسب ، فلا يقدح فيه ، كما قرّر في الأُصول ، أو يدّعى انعقاد الإجماع بعده ، فإنّ الأئمّة الذين تصدّوا لنقل الخلاف لم يذكروا له موافقاً على ذلك فيجاب بمنع الإجماع ؛ إذ لم يدّعه أحد ، وبأنّا كما لا نعلم له موافقاً لا نعلم انتفاء الموافق ، وهو كافٍ في عدم انعقاد الإجماع على خلافه ، ومثل هذا القدر كافٍ في الحجّة.
وقد أشار إليه المحقّق في المعتبر في مسألة وجوب الكفّارة بوطي الحائض حيث نقل عن الشيخ والمرتضى دعوى الإجماع على وجوبها.
ثمّ قال ما هذا لفظه : أمّا احتجاج الشيخ وعلم الهدى بالإجماع : فلا نعلمه ، وكيف يتحقّق الإجماع فيما يتحقّق فيه الخلاف!؟ ولو قال : المخالف معلوم ، قلنا : لكن لا نعلم أنّه لا مخالف غيره ، ومع الاحتمال لا يبقى وثوق في خلافه. (١) انتهى.
فانظر كيف لم يعتمد المحقّق على الإجماع المنقول بخبر هذين الكبيرين ، وجَعَل احتمال الموافقة للمعلوم كافياً في القدح فيه ، فكيف في مسألةٍ لم يدّع أحد فيها الإجماع!؟
وهذه فائدة تتمشّى في كثيرٍ من المسائل التي يظنّ مَنْ لا تحصيل له صحّة دعوى الإجماع عليها مع علمه بمخالفة الواحد والأكثر متوهّماً ما سلف ، مع أنّه يمكن المعارضة بمثله بأن يقال : المخالف في الجانب الآخر جماعة كلّهم معلومو الأصل والنسب ، فلا عبرة بخلافهم ، فيمكن دعوى الإجماع في الجانب الآخر.
وقد قال المحقّق في المعتبر أيضاً : الإجماع عندنا حجّة بانضمام المعصوم ، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله ، لما كان حجّةً ، ولو حصل في اثنين ، لكان قولهما حجّةً ، فلا تغترّ إذن بمن يتحكّم فيدّعي الإجماع باتّفاق الخمسة والعشرة من الأصحاب مع جهالة قول الباقين إلا مع العلم القطعي بدخول الإمام. (٢) انتهى.
وهذا يدلّك على تعذّر دعوى الإجماع الآن إلا ما نقله الأصحاب منه أو واحد منهم ، فإنّ المنقول منه بخبر الواحد حجّة ، كما حقّق في محلّه ، فتأمّل.
وقد أفردنا لتحقيق الإجماع في حال الغيبة رسالة تنفع في هذا المقام مَنْ أرادها
__________________
(١) المعتبر ١ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.
(٢) المعتبر ١ : ٣١.