الوضوء والغسل والتيمّم كما لا يخفى. وغاية ما ذكروه أن يكون ثابتاً في اللغة ، والحقائق الشرعيّة مقدّمة على اللغويّة والعرفيّة ، فقراءة التخفيف وإن صلحت لهما لغةً لكنّها محمولة شرعاً على الحالة الحاصلة لهنّ بعد فعل الطهارة الشرعيّة ، وقراءة التشديد كالصريحة فيها.
الثاني : حمل قراءة التشديد على التخفيف استناداً إلى الشواهد المذكورة مع ما هو معلوم من القواعد العربيّة من أنّ كثرة المباني تدلّ على كثرة المعاني ، وهذا هو الكثير الشائع.
وما وقع من اتّفاقهما نادراً لا يوجب المصير إليه وترك الأكثري ، مع أنّ أكثر الشواهد ليست مطابقةً ؛ فإنّ باب «تفعّل» الجاري عليه كسرت الكوز فتكسّر ونحوه قطعت الحبل فتقطّع ليس ممّا نحن فيه.
الثالث : أنّ صدر الآية وهو قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) (١) إنّما دلّ على تحريم الوطي في وقت الحيض ، ولا يلزم منه اختصاص التحريم بوقته ؛ إذ لا يلزم من تحريم شيء في وقت أو مكان مخصوص اختصاص التحريم به ؛ لأنّه أعمّ منه ، ولا دلالة لعامّ على أفراده المعيّنة.
نعم ، ربما دلّ بمفهوم الوصف على الاختصاص ، وهو ليس بحجّة عند المصنّف (٢) والجماعة فكيف يحتجّون به!؟
الرابع : قولهم في جواب الغاية والشرط : إنّه قد تعارض مفهومان ، إلى آخره ، لا يتمّ بعد ما قرّرناه ، فإنّه لو حمل على الطهارة الشرعيّة أعني الغسل لم يقع تنافٍ أصلاً ، واستغني عن التكلّف.
ويؤيّده قوله في آخر الآية (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٣) فإنّ الموصوف بالمحبّة مَنْ فَعَل الطهارة بالاختيار حتى يستحقّ المدح والثناء ، وأمّا مَنْ حصل له الطهارة بغير اختياره كانقطاع الدم ، لا يستحقّ لذلك (٤) ؛ الوصفَ بالمحبوبيّة خصوصاً وقد قرنها بالتوبة
__________________
(١) صدر الآية قوله تعالى : فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ.
(٢) مبادئ الوصول : ١٠٠ ؛ نهاية الوصول ، المقصد الرابع : في الأمر والنهي ، الفصل الثالث ، البحث التاسع.
(٣) البقرة (٢) : ٢٢٢.
(٤) في «ق ، م» : بذلك.