وما ذكر من الأخبار الدالّة على أنّ وجوبه معلّق على الالتقاء أو الماء ونحوهما غير مقيّد باشتراط وجوب عبادةٍ مشروطة بالغسل معارض بالأوامر الدالّة على وجوب الوضوء وباقي الأغسال غير مقيّدة بالصلاة كقول النبيّ صلىاللهعليهوآله مَنْ نام فليتوضّأ (١)» وقول علي عليهالسلام مَنْ وجد طعم النوم وجب عليه الوضوء (٢)» وقول الرضا عليهالسلام إذا خفي الصوت وجب الوضوء (٣)» وقول الصادق عليهالسلام غسل الحائض واجب ، وغسل الاستحاضة واجب ، وغسل مَنْ مسّ ميّتاً واجب (٤)» إلى غير ذلك ، وكالحكم بوجوب غسل الثوب والبدن والإناء من النجاسة مع الاتّفاق على أنّ المراد بذلك الواجبُ المشروط ، ومهما أجاب عن ذلك فهو الجواب عمّا احتجّ به لغسل الجنابة.
قال في الذكرى : والأصل في ذلك أنّه لمّا كثر علم الاشتراط أُطلق الوجوب وغلب في الاستعمال. (٥) انتهى.
ولا يرد أنّ تقييد إطلاق تلك الأخبار ليس بأولى من تقييد مفهوم خبر زرارة ، المتقدّم (٦) ونحوه بما عدا غسل الجنابة ؛ فإنّ المرجّح فيه أصالة براءة ذمّة المكلّف من الطهارة عند الخلوّ من مشروطٍ بها ، مضافاً إلى ما ذكر من المعارضة.
وحديث الملازمة بين وجوبه لغيره وعدم وجوبه للصوم ممنوع ، بل قيل (٧) إنّه من قبيل المغالطة ؛ للإجماع من غير الصدوق على اشتراط الصوم بالغسل على بعض الوجوه ، وقد تقدّم القول فيه.
وأمّا غسل الأموات : فلا خلاف في وجوبه لنفسه ، والفرق بينه وبين غيره أنّ تلك شروط لعباداتٍ مخصوصة تتضيّق بتضيّق وقتها ، وتتّسع بسعته ، كما تقدّم ، ولا كذا غسل الأموات ، بل وجوبه بأصل الشرع ثابت باعتبار ذاته ، وترتّب الصلاة عليه على الغسل واشتراط صحّتها به من قبيل الوجوب المرتّب ، كترتّب التكفين على الغسل
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٦١ / ٤٧٧ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ٥٢ / ٣٠٣ ؛ سنن الدارقطني ١ : ١٦١ / ٥ ؛ سنن البيهقي ١ : ١٩٠ / ٥٧٨.
(٢) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٥ ؛ التهذيب ١ : ٨ / ١٠ ؛ الإستبصار ١ : ٨١٨٠ / ٢٥٢.
(٣) الكافي ٣ : ٣٧ / ١٤ ؛ التهذيب ١ : ٩ / ١٤.
(٤) الكافي ٣ : ٤٠ / ٢ ؛ الفقيه ١ : ٤٥ / ١٧٦ ؛ التهذيب ١ : ١٠٤ / ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٩٨٩٧ / ٣١٥ ، وما في المتن موافق لما في الاستبصار نصّاً.
(٥) الذكرى ١ : ١٩٦.
(٦) في ص ١٤٩.
(٧) لم نعثر على القائل في مظانّه.